- مرسا
عدد المساهمات : 4195
نقاط : 8169
التقييم : 14
تاريخ التسجيل : 23/02/2011
العمل/الترفيه : https://mrsa.hooxs.com/
السيرة النبوية,لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا
السبت 24 ديسمبر 2011, 5:53 am
الأحداث
الكبيرة يسبقها من الإرهاصات والعلامات ما يشير إلى قرب وقوعها ، وقد تم
للمسلمين فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة ، وفي السنة التاسعة أقبلت
الوفود ، ودانت جزيرة العرب بالإسلام ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعتكف
كل رمضان عشراً ، فاعتكف في السنة الأخيرة عشرين ليلة ، وكان جبريل يعارضه
القرآن مرة في رمضان ، فعارضه في السنة الأخيرة مرتين .. كل هذه العلامات
وغيرها أشارت إلى قرب انتهاء مهمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد
بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، وأصبح الناس على محجة بيضاء ، ليلها كنهارها
لا يزيغ عنها إلا هالك ..
وقد
جاءت بعض الآيات القرآنية مؤكدة على حقيقة بشرية النبي - صلى الله عليه
وسلم - ، ومصرحة أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كغيره من البشر سوف يذوق الموت
ويعاني سكراته كما ذاقه من قبل إخوانه من الأنبياء ، قال الله تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ }(الزمر:30) ، وقال : { وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ }(آل عمران:144) ، وقال : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }(الأنبياء:34) .. فهذه الآيات نصت صراحة على موته - صلى الله عليه وسلم - ..
وهناك بعض الآيات أشارت إلى قرب ذلك وإن لم تصرح به ، كما قال الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً }(المائدة: من الآية3) ..
وذكر ابن كثير : " .. أن عمر بن الخطاب ـ
رضي الله عنه ـ بكى حين نزلت هذه الآية ، فقيل ما يبكيك ؟! ، فقال : إنه
ليس بعد الكمال إلا النقصان ، وكأنه استشعر وفاة النبي - صلى الله عليه
وسلم ـ " ..
وفي ثاني أيام التشريق نزل قول الله تعالى: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا }(النصر آية : 1-3) .
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: ( كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه ، فقال : لِمَ تُدْخِل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ ، فقال عمر :
إنه مَنْ علمتم ، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم ، قال : فما رأيت أنه دعاني
يومئذ إلا ليريهم ، قال : ما تقولون في قول الله ـ عز وجل ـ : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } ، فقال بعضهم : أمرنا بأن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال لي : أكذاك تقول يا ابن عباس ؟ ، قلت : لا ، قال: فما تقول ؟ ، قلت : هو أجل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلمه ، فقال : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } ، فذلك علامة أجلك ، { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } ، فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول ) (البخاري) ..
وبدأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يودع الحياة بأقوال وأفعال تشير وتدل على قرب وفاته وانتهاء أجله ، ومن ذلك ما رواه معاذ ـ رضي الله عنه ـ قال : لما بعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى اليمن ، خرج معه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمشى تحت راحلته ، فلما فرغ قال : ( يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، أو لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري ، فبكى معاذ جشعا (جزعا) لفراق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال : إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا )(أحمد) .
وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : ( أفاض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عرفة وعليه السكينة وأمرنا بالسكينة ، ثم قال : خذوا مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )(النسائي) .
وفي رواية مسلم : (.. لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه ) .
قال النووي
: " فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته - صلى الله عليه وسلم - ،
وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين
، وبهذا سميت حجة الوداع " ..
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( اجتمع نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عنده ، لم يغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ مشيتها مشية أبيها ، فقال : مرحباً يا بنيتي ، فأقعدها يمينه أو شماله ، ثم سارّها (أخبرها بسر) فبكت
، ثم سارّها فضحكت .. فقلت لها : خصَّك رسول الله بالسِّرار وأنت تبكين ؟ ،
فلما أن قامت قلت لها : أخبريني ما سارّك ؟ ، فقالت : ما كنت لأفشي سرّ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما تُوفي قلت لها : أسألك لما لي
عليك من الحق لما أخبرتيني ، قالت : أما الآن فنعم ، قالت : سارّني في
الأولى قال لي : إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة ، وقد عارضني
في هذا العام مرتين ، ولا أرى ذلك إلا اقتراب أجلي ، فاتقي الله واصبري ،
فنعم السلف أنا لك ، فبكيت ثم سارني فقال : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء
المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ؟ ، قالت : فضحكتُ ضحكي الذي رأيت )(مسلم) .
وفي
هذا الحديث دليل قاطع وإشارة واضحة إلى اقتراب أجل رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ، وأن ساعة الرحيل قد باتت قريبة ، إلا أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - اختص ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ بعلم ذلك ، ولم يعلم به المسلمون إلا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ ..
ومن
الإشارات الدالة على قرب وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترغيبه لأصحابه في
كثرة ملازمته والجلوس معه قبل أن يُحْرموا ذلك ، ويتمنى أحدهم حينها لو رآه
بأهله وماله .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( والذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني ، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم )(مسلم) .
قال النووي
: " .. وتقدير الكلام يأتي على أحدكم يوم لأن يراني فيه لحظة ثم لا يراني
بعدها أحب إليه من أهله وماله جميعا .. ومقصود الحديث حثهم على ملازمة
مجلسه الكريم ، ومشاهدته حضرا وسفرا ، للتأدب بآدابه وتعلم الشرائع وحفظها
ليبلغوها ، وإعلامهم أنهم سيندمون على ما فرطوا فيه من الزيادة من مشاهدته
وملازمته .." .
ومن
هذه الإشارات أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى أُحُد فصلى على الشهداء
وكأنه يودع الأحياء والأموات ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : ( إني فَرَطكُمْ (سابقكم) ،
وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني قد أعطيت خزائن
مفاتيح الأرض ، وإني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ولكن أخاف أن تنافسوا
فيها )(البخاري) .
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : خطب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : ( إن الله ـ عز وجل ـ خَيَّر عبدا بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ذلك العبد ما عند الله ، قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عبد خُير ، فكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو المُخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا )(البخاري) ..
لقد
كانت وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ حدثا مهما في تاريخ الإسلام والمسلمين ،
وهي أعظم مصيبة أصيب بها أتباعه في كل زمان ومكان ، فقد قال ـ صلى الله
عليه وسلم ـ في مرضه الذي مات فيه : ( يأيها
الناس ، أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي
عن المصيبة التي تصيبه بغيري ، فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد
عليه من مصيبتي )(ابن ماجه) ..
فالموت مصير كل حي ، وليس لأحد أن يخلد في هذه الدنيا حتى النبي محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ ، كما قال الله تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ }(الزمر:30)..
ومع أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلى الناس قدرا ومنزلة ، و أحب الخلق إلي
الله - تعالي ـ ، فقد توفاه الله بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة في حياة
حافلة بالعبادة والدعوة ، والبذل والعطاء ، والتضحية والجهاد ، وإنقاذ
البشرية من الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد ، وكان قوله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ : ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) إشارة إلى قرب موته ورحيله من الدنيا إلى الرفيق الأعلى ، ودليلا من دلائل نبوته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ..
الكبيرة يسبقها من الإرهاصات والعلامات ما يشير إلى قرب وقوعها ، وقد تم
للمسلمين فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة ، وفي السنة التاسعة أقبلت
الوفود ، ودانت جزيرة العرب بالإسلام ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعتكف
كل رمضان عشراً ، فاعتكف في السنة الأخيرة عشرين ليلة ، وكان جبريل يعارضه
القرآن مرة في رمضان ، فعارضه في السنة الأخيرة مرتين .. كل هذه العلامات
وغيرها أشارت إلى قرب انتهاء مهمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد
بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، وأصبح الناس على محجة بيضاء ، ليلها كنهارها
لا يزيغ عنها إلا هالك ..
وقد
جاءت بعض الآيات القرآنية مؤكدة على حقيقة بشرية النبي - صلى الله عليه
وسلم - ، ومصرحة أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كغيره من البشر سوف يذوق الموت
ويعاني سكراته كما ذاقه من قبل إخوانه من الأنبياء ، قال الله تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ }(الزمر:30) ، وقال : { وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ }(آل عمران:144) ، وقال : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }(الأنبياء:34) .. فهذه الآيات نصت صراحة على موته - صلى الله عليه وسلم - ..
وهناك بعض الآيات أشارت إلى قرب ذلك وإن لم تصرح به ، كما قال الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً }(المائدة: من الآية3) ..
وذكر ابن كثير : " .. أن عمر بن الخطاب ـ
رضي الله عنه ـ بكى حين نزلت هذه الآية ، فقيل ما يبكيك ؟! ، فقال : إنه
ليس بعد الكمال إلا النقصان ، وكأنه استشعر وفاة النبي - صلى الله عليه
وسلم ـ " ..
وفي ثاني أيام التشريق نزل قول الله تعالى: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا }(النصر آية : 1-3) .
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: ( كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه ، فقال : لِمَ تُدْخِل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ ، فقال عمر :
إنه مَنْ علمتم ، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم ، قال : فما رأيت أنه دعاني
يومئذ إلا ليريهم ، قال : ما تقولون في قول الله ـ عز وجل ـ : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } ، فقال بعضهم : أمرنا بأن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال لي : أكذاك تقول يا ابن عباس ؟ ، قلت : لا ، قال: فما تقول ؟ ، قلت : هو أجل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلمه ، فقال : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } ، فذلك علامة أجلك ، { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } ، فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول ) (البخاري) ..
وبدأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يودع الحياة بأقوال وأفعال تشير وتدل على قرب وفاته وانتهاء أجله ، ومن ذلك ما رواه معاذ ـ رضي الله عنه ـ قال : لما بعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى اليمن ، خرج معه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمشى تحت راحلته ، فلما فرغ قال : ( يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، أو لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري ، فبكى معاذ جشعا (جزعا) لفراق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال : إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا )(أحمد) .
وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : ( أفاض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عرفة وعليه السكينة وأمرنا بالسكينة ، ثم قال : خذوا مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا )(النسائي) .
وفي رواية مسلم : (.. لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه ) .
قال النووي
: " فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته - صلى الله عليه وسلم - ،
وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين
، وبهذا سميت حجة الوداع " ..
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( اجتمع نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عنده ، لم يغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ مشيتها مشية أبيها ، فقال : مرحباً يا بنيتي ، فأقعدها يمينه أو شماله ، ثم سارّها (أخبرها بسر) فبكت
، ثم سارّها فضحكت .. فقلت لها : خصَّك رسول الله بالسِّرار وأنت تبكين ؟ ،
فلما أن قامت قلت لها : أخبريني ما سارّك ؟ ، فقالت : ما كنت لأفشي سرّ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما تُوفي قلت لها : أسألك لما لي
عليك من الحق لما أخبرتيني ، قالت : أما الآن فنعم ، قالت : سارّني في
الأولى قال لي : إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة ، وقد عارضني
في هذا العام مرتين ، ولا أرى ذلك إلا اقتراب أجلي ، فاتقي الله واصبري ،
فنعم السلف أنا لك ، فبكيت ثم سارني فقال : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء
المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ؟ ، قالت : فضحكتُ ضحكي الذي رأيت )(مسلم) .
وفي
هذا الحديث دليل قاطع وإشارة واضحة إلى اقتراب أجل رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ، وأن ساعة الرحيل قد باتت قريبة ، إلا أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - اختص ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ بعلم ذلك ، ولم يعلم به المسلمون إلا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ ..
ومن
الإشارات الدالة على قرب وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترغيبه لأصحابه في
كثرة ملازمته والجلوس معه قبل أن يُحْرموا ذلك ، ويتمنى أحدهم حينها لو رآه
بأهله وماله .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( والذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني ، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم )(مسلم) .
قال النووي
: " .. وتقدير الكلام يأتي على أحدكم يوم لأن يراني فيه لحظة ثم لا يراني
بعدها أحب إليه من أهله وماله جميعا .. ومقصود الحديث حثهم على ملازمة
مجلسه الكريم ، ومشاهدته حضرا وسفرا ، للتأدب بآدابه وتعلم الشرائع وحفظها
ليبلغوها ، وإعلامهم أنهم سيندمون على ما فرطوا فيه من الزيادة من مشاهدته
وملازمته .." .
ومن
هذه الإشارات أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إلى أُحُد فصلى على الشهداء
وكأنه يودع الأحياء والأموات ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : ( إني فَرَطكُمْ (سابقكم) ،
وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني قد أعطيت خزائن
مفاتيح الأرض ، وإني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ولكن أخاف أن تنافسوا
فيها )(البخاري) .
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : خطب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : ( إن الله ـ عز وجل ـ خَيَّر عبدا بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ذلك العبد ما عند الله ، قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عبد خُير ، فكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو المُخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا )(البخاري) ..
لقد
كانت وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ حدثا مهما في تاريخ الإسلام والمسلمين ،
وهي أعظم مصيبة أصيب بها أتباعه في كل زمان ومكان ، فقد قال ـ صلى الله
عليه وسلم ـ في مرضه الذي مات فيه : ( يأيها
الناس ، أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي
عن المصيبة التي تصيبه بغيري ، فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد
عليه من مصيبتي )(ابن ماجه) ..
فالموت مصير كل حي ، وليس لأحد أن يخلد في هذه الدنيا حتى النبي محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ ، كما قال الله تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ }(الزمر:30)..
ومع أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلى الناس قدرا ومنزلة ، و أحب الخلق إلي
الله - تعالي ـ ، فقد توفاه الله بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة في حياة
حافلة بالعبادة والدعوة ، والبذل والعطاء ، والتضحية والجهاد ، وإنقاذ
البشرية من الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد ، وكان قوله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ : ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) إشارة إلى قرب موته ورحيله من الدنيا إلى الرفيق الأعلى ، ودليلا من دلائل نبوته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ..
- ملاك الروووح
عدد المساهمات : 3611
نقاط : 6742
التقييم : 46
تاريخ التسجيل : 04/06/2011
رد: السيرة النبوية,لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا
السبت 24 ديسمبر 2011, 6:12 am
جزاك الله جناته
انتقاء رائع كعادتك
يتمايل الياسمين شذى بجمال متصفحك
وتتراقص الورود متعطره بروعة مانقلته أناملك
لروحك أطيب الورد واكاليل الزهر
معطره برقة طرحك
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى