- الماس
عدد المساهمات : 26
نقاط : 68
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 19/10/2011
اليتيم بين العدل والظلم
الجمعة 09 ديسمبر 2011, 12:57 pm
اليتيم....
اليتم في اللغة؛
هو الانفراد. فمن فقد أباه في الناس فهو يتيم، ولا يقال لمن فقد أمه يتيم؛ بل منقطع. اما
هو الانفراد. فمن فقد أباه في الناس فهو يتيم، ولا يقال لمن فقد أمه يتيم؛ بل منقطع. اما
من فقد أباه وأمه معاً؛ فهو (لطيم). وهذا التدرج في وصف الانفراد الذي هو اليتم؛ من اجل دلائل
البلاغة في اللغة العربية؛ التي لا تجاريها فيها أي لغة أخرى. لأن لفظ (يتيم)؛ أخف وقعا على السمع
من لفظ (منقطع)، لأنه يعبر عن حالة اخف من اخرى؛ كما ان (يتيم ومنقطع) أخف من (لطيم)؛ فماذا
يعني (الانقطاع واللطم) إذن..؟
الانقطاع هو الانقسام والانفصال والفرقة. ولاشك ان من فقد أمه؛ فإن بؤسه اشد من فقده لوالده؛ ذلك
ان دور الام؛ يفوق دور الأب في الحضانة والرعاية، وهذا يفسره قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(.. أمك ثم أمك ثم أمك؛ ثم أبوك).
أما (اللطم)؛ فهو ضرب الخد والوجه حتى تتضح الحمرة، وفي هذا تعبير عن الحسرة واليأس وعمق
الجراح، نتيجة فقد الأب والأم معا. وهذه حالة اعظم من اليتم بفقد الأب؛ والانقطاع بفقد الأم.
إن الولد لا يدعى يتيما بعد بلوغه ومقدرته على الاعتماد على نفسه، اما الجارية فهي يتيمة حتى يبنى
بها. قال تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم). هذا؛ إذا آنستم منهم رشدا. وقد تلازمهما التسمية بعد ذلك
(مجازا)، فالرسول صلى الله عليه وسلم ظل يسمى يتيم أبي طالب، لأنه رباه.
وصورة اليتم في المجتمع؛ مكونة رئيسة في نسيجه العام منذ ان خلق الله الخلق، لأن النوازل
والفواجع تَكِرّ كر الليالي والأيام ولا تتوف، وما يخفف من قسوة الحالة وبشاعة الصورة؛ هو ذلك
التكافل الاجتماعي التعاوني، الذي أرست قواعده الشريعة الاسلامية السمحة؛ فجاء تعزيز الأمر
برعاية اليتامى وحفظ حقوقهم المشروعة؛ وتربيتهم وتهيئتهم للحياة؛ في القرآن الكريم في (23) مرة
بلفظ؛ (اليتم واليتيم واليتيمة والأيتام واليتامى). في (23) آية قرآنية. وتكرر ذكر ذلك في الحديث النبوي
الشريف مرات كثيرة.
وما دام اليتم بهذه الصورة؛ ومكانته في المجتمع معروفة؛ فهذا المجتمع نفسه؛ يتحمل المسؤولية
كاملة؛ بأن يتضامن ابناؤه ويتعاضدوا فيما بينهم، افرادا وجماعات، حكاما او محكومين؛ على اتخاذ
كافة المواقف الايجابية التي تكفل رعاية الأيتام، بدافع من شعور وجداني عميق، ينبع من أصل العقيدة
الاسلامية، ليعيش اليتيم في كفالة الجماعة، وتعيش الجماعة بمؤازرة هذا اليتيم؛ المنسجم معها في
سيرها نحو تحقيق مجتمع افضل.
إن وسائل التكافل الاجتماعي كثيرة، على ان اهمها علي الاطلاق؛ هو الإنفاق في وجوه الخير،
فالشريعة الاسلامية حثت على هذه الخيرية؛ وحذرت من الشح والبخل، وجعلت في أموال الموسرين
والأغنياء حقا معلوما للفقراء واليتامى والمساكين.
فالرسول صلى الله عليه وسلم؛ حض على كفالة اليتيم، وأمر بوجوب رعايته، وبشر كفلاء اليتيم؛ أنهم
ان احسنوا الى اليتامى؛ سيكونون معه في الجنة. عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا.. وأشار بالسبابة والوسطى، وفرق بينهما) رواه
البخاري.
وروى الإمام احمد وابن حبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من وضع يده على رأس يتيم
رحمة به؛ كتب الله له بكل شعرة مرت على يده حسنة).
ورعاية الأيتام واجبة في الأصل على ذوي الأرحام والاقارب، اما الدولة؛ فإنها لا تلجأ الى الرعاية إلا
عند الحاجة.
وقد درج المسلمون منذ عهودهم الاولى؛ على افتتاح الدور لرعاية الأيتام، لتتولى المؤسسات
الاسلامية العامة والخاصة؛ تربية الأيتام ورعايتهم والإنفاق عليهم، ومساعدتهم على النمو الطبيعي،
والحياة الإيجابية في المجتمع.
وفي بلادنا الحبيبة؛ امتثال لهذا الواجب الرباني، وتمثيل حي لما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم،
ولما اخذ به الخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم اجمعين، وما سار عليه أتباعهم من بعدهم عبر مئات
السنين، من كفالة اسرية اجتماعية (مؤسساتية) للأيتام؛ كانت وما زالت من علامات التحضر والتمدن
في المجتمعات الاسلامية. فيوجد دور كثيرة لرعاية الايتام في مناطق ومدن المملكة، تشرف عليها
الدولة، واخرى اهلية تقوم على خيرية المحسنين الموسرين، الذين اعطاهم الله وأغناهم؛ ولكن جعل
في اموالهم هذه؛ حقوقا متوجبة الأداء للسائلين والمحرومين والمقطوعين واليتامى. وابناء المملكة
على العموم؛ ضربوا اروع الامثلة في هذا المجال الخيري؛ فهم في كل ميدان يقرب الى الله؛ لهم سهم
نافذ؛ وقدح معلى، وحصتهم اكبر، فعموا بفضلهم من هم في حاجة إليه، سواء في داخل المملكة أم
خارجها.
يقولون في كمبوديا: بأن يتيم الأب أشبه بالبيت بلا سقف. ولكن مجتمعنا العربي المسلم والحمد لله؛ هو
السقف الذي يظلل الأيتام في بلادنا. وشاعرنا المتنبي يقول في هذا...
تحديد عنوان اليتيم :
ويتفق الفقهاء مع اللغويين بتحديد اليتيم إلى هذا الحد ، فهم يرون أن هذا العنوان يتمشى مع الطفل إلى حد البلوغ الشرعي ،
والذي تقرره الشريعة المقدسة بظهور واحدٍ من علامات ثلاث :
1 ـ إنهاء الطفل خمسة عشر عام من عمره إذا كان ذكراً ، وتسعة إذا كان إنثى.
ـ إنبات الشعر على عانته.
3 ـ الإحتلام بخروج المني منه ، أو الحيض من الانثى.
حيث تنبىء هذه العلامات بوصوله إلى مدارك الرجال. وحينئذٍ ، فينتقل من مرحلة الطفولة ،
وهي مرحلة عدم المسؤولية إلى مرحلة العبء الإجتماعي ، والمسؤولية الشرعية التي تفرض على الرجال البالغين.
ولم يقتصر إطلاق عنوان اليتيم على الطفل قبل بلوغه بل أطلق على البالغين أيضاً ، ولكنه إطلاق مجازي ،
وليس باطلاق حقيقي كما كانوا يسمون النبي (ص) وهو كبير : «يتيم أبي طالب» ( عليه السلام ) لانه رباه بعد موت أبيه
وفي الحديث : « تستأمر اليتمية في نفسها فإن سكتت فهو أدنها ».
اراد باليتيمة : البكر البالغة التي مات أبوها قبل بلوغها ، فلزمها إسم يتيم ، فدعيت به ، وهي بالغة مجازاً.
سبب تسمية اليتيم..
الذي يظهر مما يقوله أهل اللغة في هذا الصدد هو : أن التسمية بهذا الاسم منشأها ...
عدم الاعتناء الذي يلاقيه من فقد كفيله وهو بهذا السن من العمر حيث صرح بمثل ذلك من تضلع بتتبع هذا النوع من المصطلحات.
يقول المفضل : أصل اليتم الغفلة ، وبه سمي اليتيم يتيماً لانه يتغافل عن بره.
أما أبو عمر فقال اليتم : الإبطال ، ومنه أخذ اليتيم لأن البر يبطيء عنه ..
الييتم في القران والسنة..
ليس من السهل ضبط حصة اليتيم من السنة الكريمة على النحو الدقيق.
أما حصته في القرآن الكريم فقد تعرضت الآيات له في اثنين وعشرين آية مقسمة إلى أقسام ثلاثة :
تعرض القسم الأول منها إلى بيان شمول اللطف الإلهي له في الشرائع السابقة ، والايصاء به.
أما القسم الثاني : فقد تعرض إلى بيان حقوقه الإجتماعية. وقد تركز القسم الثالث على بيان حقوقه المالية.
كما وقد تناولت الآيات الكريمة بشكل خاص يتامى آل النبي محمد (ص) تمييزاً لهم
في بعض الحقوق المالية عن بقية اليتامى لاداء بعض ما للنبي الاكرم (ص) من حق على الناس.
اليتيم في الشرائع السابقة..
لو لاحظنا اليتيم لرأيناه : طفلاً من الاطفال فقد كفيله ، وحرم من تلك العواطف الابوية ، ولكنه لم يفقد الرحمة الإلهية حيث إحاطته فكانت
له الحصة الوافرة في التشريع من الحث على ضرورة التزامه ، والامن بعدم التجاوز على حقوقه ، والترغيب في جلب مودته ،
والتلطف به لئلا يشعر بالوحدة والانعزال ، ولئلا يكون فريسة لشهوات أولئك الذين لم تجد الرحمة إلى قلوبهم سبيلاً.
ولم يكن هذا المعنى من مختصات شريعتنا الاسلامية المقدسة بل كانت هذه الرعاية سنة الله في خلقه قبل أن يقوم للاسلام كيان ،
فرعاية اليتيم ، والمحافظة عليه كانت من جملة بنود الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل من قبل. فالقرآن الكريم يحدث النبي (ص)
عن هذا الميثاق المقدس ويوضح له ذلك في الآية الكريمة التالية :
« وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة » (1).
ولسنا الآن بصدد بيان أين ، ومتى أخذ هذا الميثاق ، بل المهم هو أن القرآن الكريم يعرض بنود هذا الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل ،
والذي هو ميثاق إلى جميع البشر من غير الاسرائيليين لعدم إختصاصهم به لانه الركائز الحقيقية لدين الله الحنيف في جميع شرائعه المقدسة ،
وهي الاصول الثابتة لبناء مجمتمع متماسك الاطراف.
ومع الميثاق في بنوده :
1 ـ لا تعبدون إلا الله :
الاقرار بالله ، والتوحيد لذاته المقدسة هو البند الاول في هذا الميثاق الانساني ، وهو كل شيء ، وقبل كل شيء في هذه الحياة. فلا عبادة لغير
الله ، ولا خضوع لغير ذاته المقدسة ، فاليه لا بد من الاتجاه في كل صغيرة وكبيرة. وفي السراء والضراء لا بد من التوكل عليه ،
والاتجاه لغيره هو الشرك الذي يفسد على الكون نظامه.
« لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا » (1).
فلا يستقيم نظام الكون لو فسحنا المجال لشريك يعبده الفرد. وكيف نتصور كوناً تحكمه إرادتان ،
ولنفرض ان إحدى الارادتين توجهت لسلب شيء ، بينما كانت الاخرى تريد الايجاب. وهكذا في بقية المجالات التي يحصل فيها الاختلاف فأي الارادتين تتقدم ؟.
إذاً فلا بد من السير على النهج الذي يضمن للحياة استقامتها وللمجتمع سعادته ، وهذا ما لا يحصل إلا بتوحيد الله سبحانه والعبودية له.
« قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد. ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد » (2).
والشرك بعد كل هذا يسد طريق المغفرة على الانسان « إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء » (3).
وإذا انسد باب المغفرة في وجه الفرد ، فمصيره جهنم.
وإذاً فالتوحيد هو اللبنة الاولى في سعادة الفرد ومن وراء ذلك سعادة المجتمع الموحد المتماسك الاطرف
وإذا ما انتقلت الآية الكريمة تطالع الرسول الاعظم ببيان البند الثاني من ذلك الميثاق فاذا بها تصرح
اليتيم في الاسلام..
لقد أولت الشريعة الاسلامية اليتيم عناية فائقة ، وحثت على رعايته والمحافظة على أمواله ، وحذرت من التجاوز على حقوقه.
ومن جهة أخرى فقد أهابت بالمحسنين أن يقوموا بتهذيبه وتأديبه كما يراعي الوالد أبنائه.
ولكن الملاحظ من المشرع أنه أكد بشكل ملحوظ على رعاية حقوقه المالية ، ولربما كان هذا بشكل يفوق
بقية الجهات المطلوبة في رعاية اليتيم وقد ظهر ذلك من الآيات الكريمة والاخبار الشريفة والتي تشكل بدورها مجموعة كبيرة تلفت نظر الباحثين.
ولا غرابة في هذا التأكيد المتواصل من الشريعة على هذه الجهة لو لاحظنا طبيعة القوم في أول الدعوة ،
والظروف المحيطة بالمنطقة العربية مما كان يستدعي هذا الحث ، وهذا التأكيد.
لقد أطل الاسلام بنوره على الجزيرة العربية والقوم غارقون في ظلمات تقاليدهم الموحشة من الغزو ، والنهب ،
وتقديم القوي على الضعيف ليكون هذا طعمة سائغة له فيرزح تحت الضغط الذي يواجهه من الطبقة المتجاوزة.
المنطقة المتكالبة لا عمل لها سوى الغزو ، والنهب والحروب المستعرة تجرها النعرات القبلية لتعيش على أسمال الغنيمة المغتصبة
ولذلك كان الضعيف طعمة للقوي فكيف باليتيم ، والذي يأتي في الرعيل الاول من مسيرة الضعفاء والبائسين.
مجتمع قاس لا يرى كرامة الانسان مهما كانت شخصيته ما دام لا يتمكن من حفظ نفسه أمام تيارات القوة والتعدي.
مجتمع يضفي على نفسه شكل مرير من التقوقع القبلي فتتخذ كل قبيلة لها شاعراً يمجد بها ، ويصوغ من غزوها ،
ونهبها درراً يشب الصغير على ترتيلها ليكبر ، وتكبر معه روح التجاوز والانتقام.
في هذا الجو المليء بالشجون ، والمآسي يقبع اليتيم يندب حظه العاثر ليخضع لتجاوز الاولياء ،
والاقوياء فلم يجد له من يمد له العون ليحفظ له حقوقه ، ويراعي شؤونه ، وقد بقي وحيداً في معركة الحياة ولكن الاسلام :
دين العدل ، والمساواة ، ومبدأ الرحمة ، والعطف جاء ليأخذ بيد الضعفاء فيرفع بهم إلى المستوى الذي يجدون فيه حقوقهم كاملة
غير منقوصة مهما كلف الثمن فالقوي عنده ضعيف حتى يأخذ منه الحق ، والضعيف في نظره قوي حتى يأخذ له حقه.بهذا المنطق القويم
جاء الاسلام ليحل بين ظهراني تلك القبائل المتمردة على العرف الانساني لذلك لا نجد غرابة لو كانت حصة اليتيم وافرة في مقام التشريع
فيلقى الاهمية البالغة من جانبه سواءاً في الكتاب المجيد ، أو في السنة على لسان أمناء الوحي النبي الاكرم ، وأهل بيته ومن تبعه على حق...
اليتيم وحقوقه الاجتماعية..
لقد تنوع الاسلوب التشريعي في بيان حقوق اليتيم الاجتماعية : ولكنه شرع معه من حين الطفولة المبكرة
لما لهذه المرحلة من الاهمية البالغة في احتضان اليتيم ، وإيوائه ليعيش في جو من الحنان الدافىء لينسيه مرارة اليتم ، وليعوض عليه ما فاته من عواطف الابوة.
ولذلك نرى الكتاب الكريم يسلك طريقاً جديداً للوصول إلى بيان
حقوق اليتيم الاجتماعية ذلك هو توجيه الخطاب إلى النبي الاكرم متخذاً من الواقع المرير الذي مر به وهو طفل خير درس يوجهه إلى الأفراد لرعاية هذه الزهور الذابلة.
من هذه النقطة سيكون المنطلق لمسيرة الاسلام مع الحملة التوجيهية لليتيم.
لقد مرت هذه الادوار بالرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ يوم فقد أباه وهو طفل فقيض الله له جده عبد المطلب ( شيخ الابطح ) ليقوم برعايته ،
وتربيته فقد شاءت الحكمة الإلهية أن يذوق المنقذ الاول للانسانية مرارة اليتم ، فيفقد الحنان الابوي
لولا أن يعوضه الله بمن سد له هذه الخله ليطبق الدرس تطبيقاً عملياً فتسير الامة على هداه ، وتنحو هذا النحو من السلوك الذي تتمخض نتائجه بالتوجيه الصالح للافراد.
1 ـ « ألم يجدك يتيماً فآوى ».
2 ـ « ووجدك ضالاً فهدى ».
3 ـ « ووجدك عائلاً فأغنى ».
4 ـ « فأما اليتيم فلا تقهر » .
هذه الآيات الكريمة جمعت بين طياتها درساً كاملاً لكل ما يحتاجه اليتيم في الحياة الاجتماعية.
فهي الدستور الذي لابد من تطبيقه للوصول إلى الغاية السامية من رعاية حقوق الضعفاء.
وهي بمجموعها تشكل بيان المراحل التي لا بد للكبار من اجتيازها للوصول بهذا الانسان إلى الهدف المنشود..
فالمشاكل التي يواجهها اليتيم في بداية الشوط ثلاث :
ـ المسكن الذي يلجأ إليه.
ـ والتربية الصالحة بما تشتمل عليه من تأديب وتعليم. ..
ـ والمال الذي ينفق عليه منه..
1:ايواء اليتيم..
ألم يجدك يتيماً فأوى ».
أول ما يحتاجه اليتيم في هذه الحياة هو :
الحضن الذي يضمه.
والصدر الذي يغمره بدفئه.
والبيت الذي يمرح فيه.
فإذا تهيأت هذه الثلاث كان بالامكان أن يحفظ هذا الطفل المهمل ليقوم بالانفاق عليه مادياً ، ومعنوياً.
ومن هنا جاءت فكرة الملاجىء للأيتام ومدى ما تسديه من خدمة للمجتمع في محافظتها على هذه الفئة من الاطفال.
لذلك يبدأ الكتاب المجيد بتذكير المشرع الاعظم بأولى مراحل احتياجاته وهو طفل يتيم فيخاطبه بهذا الاسلوب الهاديء لينقله إلى ذلك الدور الذي مر عليه.
أنت أيها المشرٌع أحسست بهذا الشعور يوم ودع أبوك هذه الدنيا وهو في ريعان شبابه فكنت مشتبكاً لهذه الحوادث القاسية فأواك الله ، وعطف عليك قلوب الحواضن ،
وإذا بجدك عبد المطلب يحتضنك فيوليك من حنانه ما يعوضك عن حنان الابوة ، ويوصي بك لعمك أبي طالب فيكفلك ويفضلك على أولاده وليكن بعد ذلك خير
ساعد لك على دعوتك المقدسة ووسط هذا العطف تنعمت بما أنساك مرارة الوحدة الابوية وذل اليتم..
2:الانفاق على اليتيم..
ووجدك عائلاً فأغنى ».
وسواء كان الغنى المقصود هو الانفاق من أبي طالب ، أو الاموال التي صرفتها خديجة على النبي الاكرم فان المال هو العصب الذي يقوم
بحفظ حياة الانسان ليحقق له احتياجاته كإنسان يأكل ، ويشرب ، ويلبس.
ان الغنى هو ما يقابل الفقر على كل حال ، ولذلك أخذت الآية الكريمة تذكر نبي الرحمة بهذه النقطة الحساسة
لتدفع في نفسه الهمة على مساعدة الضعفاء ممن مروا بهذه
من لفظ (منقطع)، لأنه يعبر عن حالة اخف من اخرى؛ كما ان (يتيم ومنقطع) أخف من (لطيم)؛ فماذا
يعني (الانقطاع واللطم) إذن..؟
الانقطاع هو الانقسام والانفصال والفرقة. ولاشك ان من فقد أمه؛ فإن بؤسه اشد من فقده لوالده؛ ذلك
ان دور الام؛ يفوق دور الأب في الحضانة والرعاية، وهذا يفسره قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(.. أمك ثم أمك ثم أمك؛ ثم أبوك).
أما (اللطم)؛ فهو ضرب الخد والوجه حتى تتضح الحمرة، وفي هذا تعبير عن الحسرة واليأس وعمق
الجراح، نتيجة فقد الأب والأم معا. وهذه حالة اعظم من اليتم بفقد الأب؛ والانقطاع بفقد الأم.
إن الولد لا يدعى يتيما بعد بلوغه ومقدرته على الاعتماد على نفسه، اما الجارية فهي يتيمة حتى يبنى
بها. قال تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم). هذا؛ إذا آنستم منهم رشدا. وقد تلازمهما التسمية بعد ذلك
(مجازا)، فالرسول صلى الله عليه وسلم ظل يسمى يتيم أبي طالب، لأنه رباه.
وصورة اليتم في المجتمع؛ مكونة رئيسة في نسيجه العام منذ ان خلق الله الخلق، لأن النوازل
والفواجع تَكِرّ كر الليالي والأيام ولا تتوف، وما يخفف من قسوة الحالة وبشاعة الصورة؛ هو ذلك
التكافل الاجتماعي التعاوني، الذي أرست قواعده الشريعة الاسلامية السمحة؛ فجاء تعزيز الأمر
برعاية اليتامى وحفظ حقوقهم المشروعة؛ وتربيتهم وتهيئتهم للحياة؛ في القرآن الكريم في (23) مرة
بلفظ؛ (اليتم واليتيم واليتيمة والأيتام واليتامى). في (23) آية قرآنية. وتكرر ذكر ذلك في الحديث النبوي
الشريف مرات كثيرة.
وما دام اليتم بهذه الصورة؛ ومكانته في المجتمع معروفة؛ فهذا المجتمع نفسه؛ يتحمل المسؤولية
كاملة؛ بأن يتضامن ابناؤه ويتعاضدوا فيما بينهم، افرادا وجماعات، حكاما او محكومين؛ على اتخاذ
كافة المواقف الايجابية التي تكفل رعاية الأيتام، بدافع من شعور وجداني عميق، ينبع من أصل العقيدة
الاسلامية، ليعيش اليتيم في كفالة الجماعة، وتعيش الجماعة بمؤازرة هذا اليتيم؛ المنسجم معها في
سيرها نحو تحقيق مجتمع افضل.
إن وسائل التكافل الاجتماعي كثيرة، على ان اهمها علي الاطلاق؛ هو الإنفاق في وجوه الخير،
فالشريعة الاسلامية حثت على هذه الخيرية؛ وحذرت من الشح والبخل، وجعلت في أموال الموسرين
والأغنياء حقا معلوما للفقراء واليتامى والمساكين.
فالرسول صلى الله عليه وسلم؛ حض على كفالة اليتيم، وأمر بوجوب رعايته، وبشر كفلاء اليتيم؛ أنهم
ان احسنوا الى اليتامى؛ سيكونون معه في الجنة. عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا.. وأشار بالسبابة والوسطى، وفرق بينهما) رواه
البخاري.
وروى الإمام احمد وابن حبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من وضع يده على رأس يتيم
رحمة به؛ كتب الله له بكل شعرة مرت على يده حسنة).
ورعاية الأيتام واجبة في الأصل على ذوي الأرحام والاقارب، اما الدولة؛ فإنها لا تلجأ الى الرعاية إلا
عند الحاجة.
وقد درج المسلمون منذ عهودهم الاولى؛ على افتتاح الدور لرعاية الأيتام، لتتولى المؤسسات
الاسلامية العامة والخاصة؛ تربية الأيتام ورعايتهم والإنفاق عليهم، ومساعدتهم على النمو الطبيعي،
والحياة الإيجابية في المجتمع.
وفي بلادنا الحبيبة؛ امتثال لهذا الواجب الرباني، وتمثيل حي لما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم،
ولما اخذ به الخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم اجمعين، وما سار عليه أتباعهم من بعدهم عبر مئات
السنين، من كفالة اسرية اجتماعية (مؤسساتية) للأيتام؛ كانت وما زالت من علامات التحضر والتمدن
في المجتمعات الاسلامية. فيوجد دور كثيرة لرعاية الايتام في مناطق ومدن المملكة، تشرف عليها
الدولة، واخرى اهلية تقوم على خيرية المحسنين الموسرين، الذين اعطاهم الله وأغناهم؛ ولكن جعل
في اموالهم هذه؛ حقوقا متوجبة الأداء للسائلين والمحرومين والمقطوعين واليتامى. وابناء المملكة
على العموم؛ ضربوا اروع الامثلة في هذا المجال الخيري؛ فهم في كل ميدان يقرب الى الله؛ لهم سهم
نافذ؛ وقدح معلى، وحصتهم اكبر، فعموا بفضلهم من هم في حاجة إليه، سواء في داخل المملكة أم
خارجها.
يقولون في كمبوديا: بأن يتيم الأب أشبه بالبيت بلا سقف. ولكن مجتمعنا العربي المسلم والحمد لله؛ هو
السقف الذي يظلل الأيتام في بلادنا. وشاعرنا المتنبي يقول في هذا...
تحديد عنوان اليتيم :
ويتفق الفقهاء مع اللغويين بتحديد اليتيم إلى هذا الحد ، فهم يرون أن هذا العنوان يتمشى مع الطفل إلى حد البلوغ الشرعي ،
والذي تقرره الشريعة المقدسة بظهور واحدٍ من علامات ثلاث :
1 ـ إنهاء الطفل خمسة عشر عام من عمره إذا كان ذكراً ، وتسعة إذا كان إنثى.
ـ إنبات الشعر على عانته.
3 ـ الإحتلام بخروج المني منه ، أو الحيض من الانثى.
حيث تنبىء هذه العلامات بوصوله إلى مدارك الرجال. وحينئذٍ ، فينتقل من مرحلة الطفولة ،
وهي مرحلة عدم المسؤولية إلى مرحلة العبء الإجتماعي ، والمسؤولية الشرعية التي تفرض على الرجال البالغين.
ولم يقتصر إطلاق عنوان اليتيم على الطفل قبل بلوغه بل أطلق على البالغين أيضاً ، ولكنه إطلاق مجازي ،
وليس باطلاق حقيقي كما كانوا يسمون النبي (ص) وهو كبير : «يتيم أبي طالب» ( عليه السلام ) لانه رباه بعد موت أبيه
وفي الحديث : « تستأمر اليتمية في نفسها فإن سكتت فهو أدنها ».
اراد باليتيمة : البكر البالغة التي مات أبوها قبل بلوغها ، فلزمها إسم يتيم ، فدعيت به ، وهي بالغة مجازاً.
سبب تسمية اليتيم..
الذي يظهر مما يقوله أهل اللغة في هذا الصدد هو : أن التسمية بهذا الاسم منشأها ...
عدم الاعتناء الذي يلاقيه من فقد كفيله وهو بهذا السن من العمر حيث صرح بمثل ذلك من تضلع بتتبع هذا النوع من المصطلحات.
يقول المفضل : أصل اليتم الغفلة ، وبه سمي اليتيم يتيماً لانه يتغافل عن بره.
أما أبو عمر فقال اليتم : الإبطال ، ومنه أخذ اليتيم لأن البر يبطيء عنه ..
الييتم في القران والسنة..
ليس من السهل ضبط حصة اليتيم من السنة الكريمة على النحو الدقيق.
أما حصته في القرآن الكريم فقد تعرضت الآيات له في اثنين وعشرين آية مقسمة إلى أقسام ثلاثة :
تعرض القسم الأول منها إلى بيان شمول اللطف الإلهي له في الشرائع السابقة ، والايصاء به.
أما القسم الثاني : فقد تعرض إلى بيان حقوقه الإجتماعية. وقد تركز القسم الثالث على بيان حقوقه المالية.
كما وقد تناولت الآيات الكريمة بشكل خاص يتامى آل النبي محمد (ص) تمييزاً لهم
في بعض الحقوق المالية عن بقية اليتامى لاداء بعض ما للنبي الاكرم (ص) من حق على الناس.
اليتيم في الشرائع السابقة..
لو لاحظنا اليتيم لرأيناه : طفلاً من الاطفال فقد كفيله ، وحرم من تلك العواطف الابوية ، ولكنه لم يفقد الرحمة الإلهية حيث إحاطته فكانت
له الحصة الوافرة في التشريع من الحث على ضرورة التزامه ، والامن بعدم التجاوز على حقوقه ، والترغيب في جلب مودته ،
والتلطف به لئلا يشعر بالوحدة والانعزال ، ولئلا يكون فريسة لشهوات أولئك الذين لم تجد الرحمة إلى قلوبهم سبيلاً.
ولم يكن هذا المعنى من مختصات شريعتنا الاسلامية المقدسة بل كانت هذه الرعاية سنة الله في خلقه قبل أن يقوم للاسلام كيان ،
فرعاية اليتيم ، والمحافظة عليه كانت من جملة بنود الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل من قبل. فالقرآن الكريم يحدث النبي (ص)
عن هذا الميثاق المقدس ويوضح له ذلك في الآية الكريمة التالية :
« وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة » (1).
ولسنا الآن بصدد بيان أين ، ومتى أخذ هذا الميثاق ، بل المهم هو أن القرآن الكريم يعرض بنود هذا الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل ،
والذي هو ميثاق إلى جميع البشر من غير الاسرائيليين لعدم إختصاصهم به لانه الركائز الحقيقية لدين الله الحنيف في جميع شرائعه المقدسة ،
وهي الاصول الثابتة لبناء مجمتمع متماسك الاطراف.
ومع الميثاق في بنوده :
1 ـ لا تعبدون إلا الله :
الاقرار بالله ، والتوحيد لذاته المقدسة هو البند الاول في هذا الميثاق الانساني ، وهو كل شيء ، وقبل كل شيء في هذه الحياة. فلا عبادة لغير
الله ، ولا خضوع لغير ذاته المقدسة ، فاليه لا بد من الاتجاه في كل صغيرة وكبيرة. وفي السراء والضراء لا بد من التوكل عليه ،
والاتجاه لغيره هو الشرك الذي يفسد على الكون نظامه.
« لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا » (1).
فلا يستقيم نظام الكون لو فسحنا المجال لشريك يعبده الفرد. وكيف نتصور كوناً تحكمه إرادتان ،
ولنفرض ان إحدى الارادتين توجهت لسلب شيء ، بينما كانت الاخرى تريد الايجاب. وهكذا في بقية المجالات التي يحصل فيها الاختلاف فأي الارادتين تتقدم ؟.
إذاً فلا بد من السير على النهج الذي يضمن للحياة استقامتها وللمجتمع سعادته ، وهذا ما لا يحصل إلا بتوحيد الله سبحانه والعبودية له.
« قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد. ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد » (2).
والشرك بعد كل هذا يسد طريق المغفرة على الانسان « إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء » (3).
وإذا انسد باب المغفرة في وجه الفرد ، فمصيره جهنم.
وإذاً فالتوحيد هو اللبنة الاولى في سعادة الفرد ومن وراء ذلك سعادة المجتمع الموحد المتماسك الاطرف
وإذا ما انتقلت الآية الكريمة تطالع الرسول الاعظم ببيان البند الثاني من ذلك الميثاق فاذا بها تصرح
اليتيم في الاسلام..
لقد أولت الشريعة الاسلامية اليتيم عناية فائقة ، وحثت على رعايته والمحافظة على أمواله ، وحذرت من التجاوز على حقوقه.
ومن جهة أخرى فقد أهابت بالمحسنين أن يقوموا بتهذيبه وتأديبه كما يراعي الوالد أبنائه.
ولكن الملاحظ من المشرع أنه أكد بشكل ملحوظ على رعاية حقوقه المالية ، ولربما كان هذا بشكل يفوق
بقية الجهات المطلوبة في رعاية اليتيم وقد ظهر ذلك من الآيات الكريمة والاخبار الشريفة والتي تشكل بدورها مجموعة كبيرة تلفت نظر الباحثين.
ولا غرابة في هذا التأكيد المتواصل من الشريعة على هذه الجهة لو لاحظنا طبيعة القوم في أول الدعوة ،
والظروف المحيطة بالمنطقة العربية مما كان يستدعي هذا الحث ، وهذا التأكيد.
لقد أطل الاسلام بنوره على الجزيرة العربية والقوم غارقون في ظلمات تقاليدهم الموحشة من الغزو ، والنهب ،
وتقديم القوي على الضعيف ليكون هذا طعمة سائغة له فيرزح تحت الضغط الذي يواجهه من الطبقة المتجاوزة.
المنطقة المتكالبة لا عمل لها سوى الغزو ، والنهب والحروب المستعرة تجرها النعرات القبلية لتعيش على أسمال الغنيمة المغتصبة
ولذلك كان الضعيف طعمة للقوي فكيف باليتيم ، والذي يأتي في الرعيل الاول من مسيرة الضعفاء والبائسين.
مجتمع قاس لا يرى كرامة الانسان مهما كانت شخصيته ما دام لا يتمكن من حفظ نفسه أمام تيارات القوة والتعدي.
مجتمع يضفي على نفسه شكل مرير من التقوقع القبلي فتتخذ كل قبيلة لها شاعراً يمجد بها ، ويصوغ من غزوها ،
ونهبها درراً يشب الصغير على ترتيلها ليكبر ، وتكبر معه روح التجاوز والانتقام.
في هذا الجو المليء بالشجون ، والمآسي يقبع اليتيم يندب حظه العاثر ليخضع لتجاوز الاولياء ،
والاقوياء فلم يجد له من يمد له العون ليحفظ له حقوقه ، ويراعي شؤونه ، وقد بقي وحيداً في معركة الحياة ولكن الاسلام :
دين العدل ، والمساواة ، ومبدأ الرحمة ، والعطف جاء ليأخذ بيد الضعفاء فيرفع بهم إلى المستوى الذي يجدون فيه حقوقهم كاملة
غير منقوصة مهما كلف الثمن فالقوي عنده ضعيف حتى يأخذ منه الحق ، والضعيف في نظره قوي حتى يأخذ له حقه.بهذا المنطق القويم
جاء الاسلام ليحل بين ظهراني تلك القبائل المتمردة على العرف الانساني لذلك لا نجد غرابة لو كانت حصة اليتيم وافرة في مقام التشريع
فيلقى الاهمية البالغة من جانبه سواءاً في الكتاب المجيد ، أو في السنة على لسان أمناء الوحي النبي الاكرم ، وأهل بيته ومن تبعه على حق...
اليتيم وحقوقه الاجتماعية..
لقد تنوع الاسلوب التشريعي في بيان حقوق اليتيم الاجتماعية : ولكنه شرع معه من حين الطفولة المبكرة
لما لهذه المرحلة من الاهمية البالغة في احتضان اليتيم ، وإيوائه ليعيش في جو من الحنان الدافىء لينسيه مرارة اليتم ، وليعوض عليه ما فاته من عواطف الابوة.
ولذلك نرى الكتاب الكريم يسلك طريقاً جديداً للوصول إلى بيان
حقوق اليتيم الاجتماعية ذلك هو توجيه الخطاب إلى النبي الاكرم متخذاً من الواقع المرير الذي مر به وهو طفل خير درس يوجهه إلى الأفراد لرعاية هذه الزهور الذابلة.
من هذه النقطة سيكون المنطلق لمسيرة الاسلام مع الحملة التوجيهية لليتيم.
لقد مرت هذه الادوار بالرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ يوم فقد أباه وهو طفل فقيض الله له جده عبد المطلب ( شيخ الابطح ) ليقوم برعايته ،
وتربيته فقد شاءت الحكمة الإلهية أن يذوق المنقذ الاول للانسانية مرارة اليتم ، فيفقد الحنان الابوي
لولا أن يعوضه الله بمن سد له هذه الخله ليطبق الدرس تطبيقاً عملياً فتسير الامة على هداه ، وتنحو هذا النحو من السلوك الذي تتمخض نتائجه بالتوجيه الصالح للافراد.
1 ـ « ألم يجدك يتيماً فآوى ».
2 ـ « ووجدك ضالاً فهدى ».
3 ـ « ووجدك عائلاً فأغنى ».
4 ـ « فأما اليتيم فلا تقهر » .
هذه الآيات الكريمة جمعت بين طياتها درساً كاملاً لكل ما يحتاجه اليتيم في الحياة الاجتماعية.
فهي الدستور الذي لابد من تطبيقه للوصول إلى الغاية السامية من رعاية حقوق الضعفاء.
وهي بمجموعها تشكل بيان المراحل التي لا بد للكبار من اجتيازها للوصول بهذا الانسان إلى الهدف المنشود..
فالمشاكل التي يواجهها اليتيم في بداية الشوط ثلاث :
ـ المسكن الذي يلجأ إليه.
ـ والتربية الصالحة بما تشتمل عليه من تأديب وتعليم. ..
ـ والمال الذي ينفق عليه منه..
1:ايواء اليتيم..
ألم يجدك يتيماً فأوى ».
أول ما يحتاجه اليتيم في هذه الحياة هو :
الحضن الذي يضمه.
والصدر الذي يغمره بدفئه.
والبيت الذي يمرح فيه.
فإذا تهيأت هذه الثلاث كان بالامكان أن يحفظ هذا الطفل المهمل ليقوم بالانفاق عليه مادياً ، ومعنوياً.
ومن هنا جاءت فكرة الملاجىء للأيتام ومدى ما تسديه من خدمة للمجتمع في محافظتها على هذه الفئة من الاطفال.
لذلك يبدأ الكتاب المجيد بتذكير المشرع الاعظم بأولى مراحل احتياجاته وهو طفل يتيم فيخاطبه بهذا الاسلوب الهاديء لينقله إلى ذلك الدور الذي مر عليه.
أنت أيها المشرٌع أحسست بهذا الشعور يوم ودع أبوك هذه الدنيا وهو في ريعان شبابه فكنت مشتبكاً لهذه الحوادث القاسية فأواك الله ، وعطف عليك قلوب الحواضن ،
وإذا بجدك عبد المطلب يحتضنك فيوليك من حنانه ما يعوضك عن حنان الابوة ، ويوصي بك لعمك أبي طالب فيكفلك ويفضلك على أولاده وليكن بعد ذلك خير
ساعد لك على دعوتك المقدسة ووسط هذا العطف تنعمت بما أنساك مرارة الوحدة الابوية وذل اليتم..
2:الانفاق على اليتيم..
ووجدك عائلاً فأغنى ».
وسواء كان الغنى المقصود هو الانفاق من أبي طالب ، أو الاموال التي صرفتها خديجة على النبي الاكرم فان المال هو العصب الذي يقوم
بحفظ حياة الانسان ليحقق له احتياجاته كإنسان يأكل ، ويشرب ، ويلبس.
ان الغنى هو ما يقابل الفقر على كل حال ، ولذلك أخذت الآية الكريمة تذكر نبي الرحمة بهذه النقطة الحساسة
لتدفع في نفسه الهمة على مساعدة الضعفاء ممن مروا بهذه
- وائل كمال
عدد المساهمات : 1104
نقاط : 1806
التقييم : 2
تاريخ التسجيل : 08/07/2011
رد: اليتيم بين العدل والظلم
الأحد 11 ديسمبر 2011, 1:45 am
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى