- سليم
عدد المساهمات : 135
نقاط : 245
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 05/06/2011
غـزوة حنين
السبت 22 أكتوبر 2011, 12:31 am
غـزوة حنين | ||||||
إن فتح مكة جاء عقب ضربة خاطفة شَدَهَ لها العرب، وبوغتت القبائل المجاورة بالأمر الواقع، الذي لم يكن يمكن لها أن تدفعه، ولذلك لم تمتنع عن الاستسلام إلا بعض القبائل الشرسة القوية المتغطرسة، وفي مقدمتها بطون هوازن وثقيف، واجتمعت إليها نَصْرٌ وجُشَمٌ وسعد بن بكر وناس من بني هلال - وكلها من قيس عَيْلان - رأت هذه البطون من نفسها عزا وأنَفَةً أن تقابل هذا الانتصار بالخضوع، فاجتمعت إلى مالك ابن عوف النَّصْري، وقررت المسير إلى حـرب المسلمين. مسير العدو ونزولـه بأوطاس: ولما أجمع القائد العام - مالك بن عوف - المسير إلى حرب المسلمين، ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فسار حتى نزل بأوْطَاس - وهو واد في دار هَوَازِن بالقرب من حُنَيْن، لكن وادي أوطاس غير وادي حنين، وحنين واد إلى جنب ذي المجَاز، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات(1). مُجَرِّب الحروب يُغَلِّط رأي القائد: ولما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس، وفيهم دُرَيْدُ بن الصِّمَّةِ - وهو شيخ كبير، ليس فيه إلا رأيه ومعرفته بالحرب وكان شجاعاً مجرباً - قال دريد: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مَجَالُ الخيل، لا حَزْنٌ ضَرسٌ، ولا سَهْلٌ دَهِس، ما لي أسمع رُغَاء البعير، ونُهَاق الحمير، وبُكَاء الصبي، وثُغَاء الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم، فدعا مالكاً وسأله عما حمله على ذلك، فقال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم، فقال: راعي ضأن واللّه، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضِحْتَ في أهلك ومالك، ثم سأل عن بعض البطون والرؤساء، ثم قال: يا مالك، إنك لم تصنع بتقديم بَيْضَة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً، ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم، ثم الْقَ الصُّبَاة على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزتَ أهلك ومالك. ولكن مالكاً - القائد العام - رفض هذا الطلب قائلاً: واللّه لا أفعل، إنك قد كبرت وكبر عقلك، واللّه لتطيعني هوازن أو لأتَّكِئَنَّ على هذا السيف حتى يخرج من ظهري، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي، فقالوا: أطعناك. فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يَفُتْنِي:
سلاح استكشاف العدو: وجاءت إلى مالك عيون كان قد بعثهم للاستكشاف عن المسلمين، جاءت هذه العيون وقد تفرقت أوصالهم، قال: ويلكم، ما شأنكم؟ قالوا: رأينا رجالاً بيضا على خيل بُلْق، والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. سلاح استكشاف رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: ونقلت الأخبار إلى رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- بمسير العدو، فبعث أبا حَدْرَد الأسلمي، وأمره أن يدخل في الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم، ففعل. الرسول -صلى الله عليه وسلم- يغادر مكة إلى حنين: وفي يوم السبت السادس من شهر شوال سنة 8 هـ غادر رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- مكة، وكان ذلك اليوم التاسع عشر من يوم دخوله في مكة، خرج في اثني عشر ألفاً من المسلمين ؛ عشرة آلاف ممن كانوا خرجوا معه لفتح مكة، وألفان من أهل مكة. وأكثرهم حديثو عهد بالإسلام واستعار من صفوان بن أمية مائة درع بأداتها، واستعمل على مكة عَتَّاب بن أسيد. ولما كان عشية جاء فارس، فقال: إني طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بِظُعُنِهم ونَعَمِهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- وقال: " تلك غنيمة المسلمين غدًا - إن شاء اللّه- ". وتطوع للحراسة تلك الليلة أنس بن أبي مَرْثَد الغَنَوي(2). وفي طريقهم إلى حنين رأوا سِدْرَة عظيمة خضراء يقال لها: ذات أنْوَاط، كانت العرب تعلق عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها ويعكفون، فقال بعض أهل الجيش لرسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط. فقال: " اللّه أكبر، قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسي: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون، إنها السَّنَنُ، لتركبن سَنَنَ من كان قبلكم "(3). وقد كان بعضهم قال نظراً إلى كثرة الجيش: لن نُغْلَبَ اليوم، وكان قد شق ذلك على رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-. الجيش الإسلامي يُباغَتْ بالرماة والمهاجمين: انتهى الجيش الإسلامي إلى حنين، الليلة التي بين الثلاثاء والأربعاء لعشر خلون من شوال، وكان مالك بن عوف قد سبقهم، فأدخل جيشه بالليل في ذلك الوادي، وفرق كُمَنَاءه في الطرق والمداخل والشعاب والأخباء والمضايق، وأصدر إليهم أمره بأن يرشقوا المسلمين أول ما طلعوا، ثم يشدوا شدة رجل واحد. وبالسَّحَر عبأ رسول اللّه-صلى الله عليه وسلم- جيشه، وعقد الألوية والرايات، وفرقها على الناس، وفي عَمَاية الصبح استقبل المسلمون وادي حنين، وشرعوا ينحدرون فيه، وهم لا يدرون بوجود كمناء العدو في مضايق هذا الوادي، فبينا هم ينحطون إذا تمطر عليهم النبال، وإذا كتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فانشمر المسلمون راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وكانت هزيمة منكرة، حتى قال أبو سفيان بن حرب، وهو حديث عهد بالإسلام: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر – الأحمر- وصرخ جَبَلَةُ أو كَلَدَةُ بن الحَنْبَل: ألا بطل السِّحْر اليوم. وانحاز رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- جهة اليمين وهو يقول: " هَلُمُّوا إليَّ أيها الناس، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد اللّه ". ولم يبق معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين والأنصار. تسعة على قول ابن إسحاق، واثنا عشر على قول النووي، والصحيح ما رواه أحمد والحاكم في المستدرك من حديث ابن مسعود، قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلاً من المهاجرين والأنصار، فكنا على أقدامنا ولم نُوَلِّهم الدُّبُر(4). وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولين، وما مع رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- مائة رجل(5). وحينئذ ظهرت شجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي لا نظير لها، فقد طفق يركض بغلته قبل الكفار وهو يقول: " أنــا النبي لا كَذِبْ ** أنا ابن عبد المطلب". بيد أن أبا سفيان بن الحارث كان آخذا بلجام بغلته، والعباس بركابه، يكفانها ألا تسرع، ثم نزل رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- فاستنصر ربه قائلاً: "اللّهم أنزل نصرك"(6). رجوع المسلمين واحتدام المعركة: وأمر رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- عمه العباس-وكان جَهِيَر الصوت-أن ينادي الصحابة، قال العباس: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السَّمُرَة؟ قال: فو الله لكأن عَطْفَتَهُم حين سمعوا صوتي عَطْفَة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك(7). ويذهب الرجل ليثني بعيره فلا يقدر عليه، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه، ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس واقتتلوا. وصرفت الدعوة إلى الأنصار: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة في بني الحارث بن الخزرج، وتلاحقت كتائب المسلمين واحدة تلو الأخرى كما كانوا تركوا الموقعة، وتجالد الفريقان مجالدة شديدة، ونظر رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- إلى ساحة القتال، وقد استحر واحتدم، فقال: "الآن حَمِي الوَطِيسُ ". ثم أخذ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قبضة من تراب الأرض، فرمى بها في وجوه القوم وقال: " شاهت الوجوه "، فما خلق اللّه إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً من تلك القبضة، فلم يزل حَدُّهُم كَلِيلاً وأمرهم مُدْبِرًا(8). انكسار حدة العدو وهزيمته الساحقة: وما هي إلا ساعات قلائل-بعد رمي القبضة-حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وقتل من ثَقِيف وحدهم نحو السبعين، وحاز المسلمون ما كان مع العدو من مال وسلاح وظُعُن. وهذا هو التطور الذي أشار إليه سبحانه وتعالى في قوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ}. سورة التوبة(25، 26). حركة المطاردة: ولما انهزم العدو صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نَخْلَة، وطائفة إلى أوْطاس، فأرسل النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى أوطاس طائفة من المطاردين يقودهم أبو عامر الأشعري، فَتَنَاوَشَ الفريقان القتال قليلاً، ثم انهزم جيش المشركين، وفي هذه المناوشة قتل القائد أبو عامر الأشعري. وطاردت طائفة أخري من فرسان المسلمين فلول المشركين الذين سلكوا نخلة، فأدركت دُرَيْدَ بن الصِّمَّة فقتله ربيعة بن رُفَيْع. وأما معظم فلول المشركين الذين لجأوا إلى الطائف، فتوجه إليهم رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-بنفسه بعد أن جمع الغنائم. الغنائم: وكانت الغنائم: السبي ستة آلاف رأس، والإبل أربعة وعشرون ألفاً، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة، أمر رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- بجمعها، ثم حبسها بالجِعْرَانَة، وجعل عليها مسعود بن عمرو الغفاري، ولم يقسمها حتى فرغ من غزوة الطائف. وكانت في السبي الشيماء بنت الحارث السعدية ؛ أخت رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة، فلما جيء بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عرفت له نفسها، فعرفها بعلامة فأكرمها، وبسط لها رداءه، وأجلسها عليه، ثم منّ عليها، وردّها إلى قومها. راجع " الرحيق المختوم" صـ (380- 384). للمزيد راجع: "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" (5/310-381)، و"زاد المعاد" (3/465-475)، و"ابن هشام" (4/81-116)، و"عيون الأثر في سيرة خير البشر" (2/83)، و"السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية"(429-430). بعض الدُّروسُ والعِبَرُ المُسْتَفَادَةُ مِنْ غَزْوةِ حُنَيْن ذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى- في كتابه " زاد المعاد " جملة من الفوائد من غزوة حُنين وهي كما يلي: 1. كان الله -U- قد وعد رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو صادق الوعد، أنه إذ فتح مكة دخل الناس في دينه أفواجاً، ودانت له العرب بأسرها، فلما تمَّ له الفتح المبين اقتضت حكمته تعالى أن أمسك قلوب هوازن، ومن تبعها عن الإسلام، وأن يجمعوا ويتألبوا لحرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين؛ ليظهر أمر الله، وتمام إعزازه لرسوله، ونصره لدينه، ولتكون غنائهم شكراناً لأهل الفتح، وليظهر الله - سبحانه- رسولَه وعبادَه، وقهره لهذه الشوكة العظيمة التي لم يلق المسلمون مثلها، فلا يقاومهم بعد أحدٌ من العرب، ولغير ذلك من الحكم الباهرة التي تلوح للمتأملين، وتبدوا للمتوسمين. واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة، والكرة مع كثرة عَددهم، وعُددهم، وقوة شوكتهم، لِيُطَامِنَ رؤوساً رُفعت بالفتح، ولم تدخل بلده وحرمه كما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واضعاً رأسه، منحنياً على فرسه، حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه، تواضعاً لربه، وخضوعاً لعظمته، واستكانة لعزته، أن أحل له حرمه وبلده، ولم يحل لأحد قبله ولا لأحد بعده، وليبين سبحانه لمن قال: (لن نُغلب اليوم من قلة)، أن النصرَ إنما هو من عنده، وأنه من ينصره فلا غالب له، ومن يخذله فلا ناصر له غيره، وأنه سبحانه هو الذي تولى نصر رسوله ودينه، لا كثرتكم التي أعجبتكم، فإنها لم تُغن عنكم شيئاً فوليتم مدبرين، فلما انكسرت قلوبهم أرسلت إليها خِلَعُ الجبر مع بريد النصر فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنوداً لهم تروها، وقد اقتضت حكمته أن خِلَعَ النصر وجوائزه إنما تفيض على أهل الانكسار: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.سورة القصص(6- 7). 2. أن الله سبحانه لما منع الجيش غنائم مكة، فلم يغنموا منها ذهباً ولا فضة ولا متاعاً ولا سبياً، ولا أرضاً كما روى أبو داود عن وهب بن منبه، قال سألت جابراً: هل غنموا يوم الفتح شيئاً؟ قال: لا. أخرجه أبو داود كتاب الخراج والإمارة باب ما جاء في خبر مكة. وكانوا قد فتحوها بإيجاف الخيل والركاب، وهم عشرة آلاف، وفيهم حاجة إلى ما يحتاج إليه الجيش من أسباب القوة، فحرك سبحانه قلوب المشركين لغزوهم، وقذف في قلوبهم إخراج أموالهم، ونعهم وشائهم وسبيهم معهم نزلاً، وضيافة، وكرامة، لحزبه وجنده، وتمم تقديره - سبحانه - بأن أطمعهم في الظفر، وألاح لهم مبادئ النصر، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فلما أنزل الله نصره على رسوله وأوليائه، وبردت الغنائم لأهلها، وجرت فيها سهام الله ورسوله، قيل: لا حاجة لنا في دمائكم، ولاف نسائكم وذراريكم، فأوحى الله سبحانه إلى قلوبهم التوبة والإنابة، فجاؤوا مسلمين فقيل: إن من شكر إسلامكم وإيمانكم إن نرد عليكم نساءكم وأبناءكم وسببكم و: {إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم}. سورة الأنفال(70). 3. أن الله - سبحانه- افتتح غزو العرب بغزوة بدر، وختم غزوهم بغزوة حنين، ولهذا يقرن بين هاتين الغزاتين بالذكر، فيُقال: بدرٌ وحنين، وإن كان بينهما سبع سنين، والملائكة قاتلت بأنفسها مع المسلمين في هاتين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- رمى في وجوه المشركين بالحصباء فيهما، وبهاتين الغزاتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، فالأولى: خوَّفتهم وكسرت من حَدِّهم، والثانية: استفرغت قواهم، واستنفذت سهامهم، وأذلت جمعهم حتى لم يجدوا بُدَّاً من الدخول في دينِ الله. 4. أن الله - سبحانه- جَبَرَ بها أهلَ مكة، وفرَّحهم بما نالُوه من النَّصرِ والمغنم؛ فكانت كالدواءِ لما نالهم من كسرِهم، وإنْ كان عينَ جبرهم، وعرَّفهم تمامَ نعمته عليهم، بما صرفَ عنهم من شرِّ هوازن، فإنَّه لم يكن لهم بهم طاقةٌ، وإنما نُصروا عليهم بالمسلمين، ولو أُفردوا عنهم، لأكلهم عدوُّهم. 5. أنَّ الإمامَ ينبغي له أنْ يبعثَ العُيُونَ ومَن يدخل بين عدوه ليأتيه بخبرِهم، وأنَّ الإمامَ إذا سمع بقصدِ عدوِّه له، وفي جيشه قوةٌ ومَنَعَةٌ لا يقعد ينتظرهم، بل يسير إليهم كما سار رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى هوازن حتى لقيهم بحنين. 6. أن الإمام له أن يستعير سلاح المشركين وعدتهم، لقتال عدوه، كما استعار رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أدراع صفوان، وهو يؤمئذٍ مشرك. 7. أن من تمام التوكل استعمال الأسباب التي نصبها الله لمسبباتها قدراً وشرعاً، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أكمل الخلق توكلاً، وإنما كانوا يلقون عدوهم وهم متحصنون بأنواع السلاح، ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة والبيضة على رأسه، وقد أنزل الله عليه:{والله يعصمك من الناس} سورة المائدة(67). 8. جواز عقر فرس العدو ومركوبه إذا كان ذلك عوناً على قتله، كما عقر علي -رضي الله عنه- جمل حامل راية الكفار، وليس هذا من تعذيب الحيوان المنهي عنه. 9. عفو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمن هم بقتله، ولم يعاجله، بل دعا له ومسح صدره حتى عاد كأنه ولي حميم. 10. ما ظهر في هذه الغزوة من معجزات النبوة وآيات الرسالة: من إخباره لشيبة بما أضمر في نفسه، ومن ثباته، وقد تولَّى عنه الناس وهو يقول: " أنا النبيُّ لا كذبْ ** أنا ابنُ عبدِ المطلبْ". وقد استقبلته كتائب المشركين. 11. إيصال الله قبضته التي رمى بها إلى عيون أعدائه على البعد منه وبركته في تلك القبضة، حتى ملأت أعين القدم، إلى غير ذلك من معجزاته فيها، كنزول الملائكة للقتال معه، حتى رآهم العدو جهرة ورآهم بعض المسلمين. 12. جواز انتظار الإمام بقسم الغنائم إسلام الكفار ودخولهم في الطاعة فيرد عليهم غنائمهم وسبيهم. راجع: " زاد المعاد " (3/477- 484). 13. تقرير مبدأ حكيم وهو أن الرأي الصائب السديد من ذوي الخبرة والتجربة يُقدم على الشجاعة مهما كانت، وحتى على القوة مهما عظمت. 14. مشروعية استعمال العيون " الجواسيس " في الحروب لمعرفة قوة العدو وما عزم عليه. 15. حرمة الإعجاب بالنفس، أو العمل، أو القوة، إذ ترتب على ذلك هزيمة المؤمنين في أول لقائهم لعدوهم. 16. وجوب الحذر من التبرك غير الشرعي فإنه يؤدي إلى الشرك بالله -تعالى-. 17. بيان الفرق بين من رسخ الإيمان في قلبه، وبين من لم يرسخ، فإن الأخير سرعان ما يظهر جهله وظلمه. 18. مشروعية إكرام الإخوة من الرضاعة. 19. بيان فضل أم سليم امرأة أبي طلحة لمواقفها المشرفة. 20. بيان حصافة رأي دُريد بن الصِّمة وشجاعته الفذة،وهو على جاهليته فكيف لو آمن وأسلم. راجع: "هذا الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- يا محب " صـ(411- 412). 21. تحريم قتل النساء والأطفال والأجراء والعبيد في الجهاد، ويستثنى منه ما إذا اشتركوا في القتال وباشروا في مقاتلة المسلمين، فإنهم يقتلون مقبلين ويجب الإعراض عنهم مدبرين. كما أنه يستثنى ما إذا تترس الكفار بصبيانهم ونسائهم، ولم يمكن رد غائلتهم إلا بقتلهم، فإن ذلك جائز وعلى الإمام أن يتبع ما تقتضيه المصلحة. 22. سياسة الإسلام نحو المؤلفة قلوبهم: لقد رأيت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أختص أهل مكة الذين أسلموا عام الفتح بمزيد من الغنائم عن غيرهم، ولم يراع في تلك القسمة المساواة الأصلية بين المقاتلين. وهذا العمل منه -صلى الله عليه وسلم- من أهم الأدلة التي استدل بها عامة الفقهاء على أنه يجوز للإمام أن يزيد في عطاء من يتألف قلوبهم على الإسلام بالقدر الذي تدعو إليه مصلحة تأليف قلوبهم، بل يجب عليه ذلك عندما تدعوا إليه المصلحة، ولا مانع من أن يكون هذا العطاء من أصل الغنائم. 23. فضل الأنصار ومدى محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهم. راجع: " فقه السيرة " للبوطي صـ(293- 294). 1 - فتح الباري 8/ 27، 42. 2 - سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب فضل الحرس في سبيل الله. 3 - سنن الترمذي، كتاب الفتن عن رسول الله، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم. 4 - أحمد في المسند (1/453)، والحاكم في المستدرك (2/128). 5 - الترمذي، كتاب الجهاد عن رسول الله، باب ما جاء في الثبات عند القتال (4/200) رقم (1698). 6 - انظر: صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين (3/1401) رقم (1773). 7 - صحيح مسلم، (3/ 1398) رقم (1775) كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين. 8 - صحيح مسلم، (3/ 1398) رقم (1775) كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين. |
- da3i
عدد المساهمات : 1431
نقاط : 2865
التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 12/03/2011
رد: غـزوة حنين
السبت 22 أكتوبر 2011, 5:12 am
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد
بارك الله فيك على الطرح المميز
تقبل مروري
تحيتي
بارك الله فيك على الطرح المميز
تقبل مروري
تحيتي
- نور الحب
عدد المساهمات : 1117
نقاط : 1179
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 13/06/2011
رد: غـزوة حنين
الإثنين 24 أكتوبر 2011, 6:08 am
بارك الله فيك اخى سليم
وجعله فى ميزان حسناتك
وجعله فى ميزان حسناتك
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى