- mounim3000
عدد المساهمات : 111
نقاط : 214
التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 08/03/2011
قوة الصين التقنية لا تتماثل و قوتها الصناعية
الثلاثاء 29 مارس 2011, 5:18 am
بقلم: ليو شي لينغ Liu Shi Ling
باحث مركز البحوث للتنمية العلمية و التكنيكية الصينية لوزارة العلوم والتكنيك
النهضة :
تماشيا مع التطورات السريعة التى شهدها القطاع الصناعى الصينى خلال السنوات الاخيرة ، ازدادت باطراء قوته التنافسية فى الاقتصاد العالمي ، كما ازداد نصيبه في الاسواق الدولية في مختلف المجالات ، مما جعل المجتمع الدولي التنبؤ بان الصين ستصبح " مركزا جديدا للصناعات العالمية " .. تتضح حقيقة تعزز قدرات القطاع الصناعى الصينى من خلال ما احرزه من انجازات فى زيادة حجم صادراته :
اولا : شهدت حركة تصدير منتجات القطاع الصناعى الصينى نشاطا وحيوية غير عادية ،حيث ازداد نصيبه فى الاسواق العالمية . فنجد اولا ان معدل نصيبه من المنتجات الصناعية المصدرة الى اسواق الدول ذات الدخل العالي كالولايات المتحدة واليابان في ازدياد متواصل ، وثانيا بدأت تحتل ايضا نصيبا لا باس به فى اسواق كوريا الجنوبية ومقاطعة تايوان .
ثانيا : قياسا مع جحم صادرات المنتجات الصناعية للدول و المناطق الاخرى ، نجد على مستوى بلدان منطقة اسيا والباسيفيك ، بان الصادرات الصينية تتقارب أكثر فأكثر مع مثيلاتها اليابانية في سوق الولايات المتحدة ، ففي عام 2000 كانت نسبة صادرات المنتجات الصناعية لكل الصين واليابان لامريكا تحتل 8.02 % و 12.5% على التوالى ، علما بانها كانت تقدر عام 1995 بنسبة 6.13 % و 16.62 % .
ثالثا: تواصلت زيادة قيمة صادرات الصين ووارداتها من المنتجات الصناعية خلال الفترة 1995 - 2000 ، وخاصة قيمة الصادرات منها ازدادت بسرعة اكثر ، مما جعل حجم فائض الميزان التجاري في صالح الصين في ازدياد مستمر . فخلال العشر سنوات 1991-2000 ، ازدادت حصة الصين في اجمالي الصادرات العالمية 100 % حيث بلغت 3.9 %بعد ان كانت 2 % ، مما جعلها تحتل المرتبة السابعة بعد ان كانت فى المرتبة الثالثة عشرة فى العالم . " راجع الاحصاء السنوي لعام 2002 " ، علما بان 90 % من الصادرات التجارية هي من المنتجات الصناعية الجاهزة .
رابعا: بدأ قطاع المنتجات الصناعية الصيني الناشيء يدخل تدريجيا في نظام التوزيع الصناعي الدولي . اذا نظرنا الى حجم الصادرات الصينية من المنتجات التقنية العالية ، نجد ان منتجات صناعة المعلومات تأتي في المقام الاول ، حيث تحتل نحو نصف اجمالي صادرات منتجات التقنية العالية . ويعود ذلك الى النمو السريع الذى شهده قطاع صناعة المعلومات الذي ترعرع داخل الصين ، والى الحجم الكبير من استثمار الشركات عابرة القارات في هذا القطاع . وحاليا فى الصين اكثر من 1500 مؤسسة تنتسب الى قطاع الاتصالات ، وقد بلغ اجمالي قيمة انتاجها عام 2001 اكثر من 300 بليون ايوان صيني ، وحققت ارباحا ما يارب ال 15 مليار ايوان . وقد شهدت السنوات الاخيرة التي تلت عام 1996 ، زيادة سنوية في اجمالي القيمة الانتاجية للصناعات الصينية تعدت الـ 30 % ، حيث تماثل تقريبا اربع اضعاف نسبة الزيادة التى شهدها الناتج الوطنى الاجمالى GDP في نفس الفترة . واليوم يحتل الحجم الاجمالى لقيمة الانتاج الصناعي الصينى المرتبة الرابعة في العالم ، علما بانها قد اصبحت اكبر دولة منتجة في العالم فى بعض المنتجات .
ان تكوين صادرات بلادنا من منتجات القطاع الصناعى للتقنية العالية يتشابه مع مثيله في مقاطعة تايوان و كوريا الجنوبية ، كون منطقة آسيا تعمل اساسا في مجال صناعة المعلومات ، غير ان نصيب الصين من المنتجات الطبية و الادوية والاجهزة فى الاسواق العالمية ما زال قليلا جدا .
التحديات :
ان الارتقاء بمستوى القدرة الابداعية للقطاع الصناعى الصينى هو الهدف المشترك الذى تسعى الى تحقيقه الصين حكومة ومؤسسات. لقد ادركت المؤسسات الصينية من خلال المنافسة الشديدة التى تشهدها الاسواق مدى اهمية الابداع ، حيث ان بعض المؤسسات العملاقة امثال "ليان شيانغ LIANG XIANG " و" تشانغ هونغ CHANG HONG " وغيرهما ، بدأت تنظر الى الابداع نظرة استراتيجية ، بينما طرحت الحكومة ، منطلقة من زاوية دفع وتطوير القطاع الصيني ، الكثير من الاجراءت التشجيعية التى ترمى الى تحفيز المؤسسات على الابداع . وفعلا حققت هذه الاجراءات غرضها فى رفع قدرة القطاع الصناعى الصينى على الابداع . وعلى الرغم من صعود القدرة الصناعية للقطاع الصناعى الصينى الا ان القدرة التقنية لم تتقدم في السنوات الاخيرة كما يجب ، الامرالذى أدى الى ظهور تغاير وتباين بين القدرتين الصناعية والتقنية . وقد تجسد ذلك في التالي :
اولا : تواصل ازدياد حجم العجز في الميزان التجارى للمنتجات التقنية العالية خلال السنوات الخمس الاخيرة . فعلىالرغم من ان الصادرات الصينية لمنتجات التقنية العالية ظلت محافظة بقوة على توجه النمو والازدياد ، الا ان قيمة وارداتها من هذا النوع من المنتجات تزداد بسرعة اكبر ، مما جعل حجم العجز فى الميزان التجارى في ارتفاع متواصل ، علما بان الجزء الاكبر من ذلك العجز فى الميزان التجارى نجم عن السعي لسد الاحتياجات الضرورية للمحافظة على حجم قيمة صادرات المنتجات الصناعية . وبعبارة اخرى نقول بان الصين ما زالت فى حاجة الى استيراد انواع كثيرة من التقنيات والمعدات وقطع الغيار عالية التقنية والتى لا يمكن الاستغناء عنها للمنتجات الصناعية المصدرة .
ثانيا : واذا دققنا فى مكونات الصادرات الصينية ككل ، نجد ان نسبة صادراتها من منتجات التقنية العالية ما زالت متدنية ، ومستوى المعرفة التكنيكية منخفصا . ففى عام 2001 احتلت صادرات قطاع المنتجات الصناعية ذات المعرفة التكنيكية ( الجمع بين القطاعيين الصناعيين للتقنية العالية والمتوسطة ) نسبة قدرها46 % من اجمالي حجم المنتجات الصينية المصدرة ، و هى نسبة متدنية جدا قياسا مع الدول المتقدمة ودول المنطقة ، ففي الولايات المتحدة بلغت في نفس العام 75 % ، وفي اليابان 83 % ، وفي كوريا الجنوبية 62 % ، وفي مقاطعة تايوان 68.4 % .
ثالثا : ان معدل الامتيازات الصينية في الولايات المتحدة تحتل نسبة متدنية جدا . وذلك يعود الى ان السوق الاميركية هي اكثر الاسواق تقدما في العالم ، ومستوى التنافس التكنيكي فيها هو الاعلى ايضا ، لهذا دائما ما يعتبر العلماء عدد الامتيازات التي تحوز عليها اي دولة في الولايات المتحدة هو علامة هامة للمستوى والقدرة التكنيكية لهذه الدولة .
قياسا الى النسبة التى تستحوزها الصادرات الصينية فى السوق الامريكية نجد عدد طلبات تسجيل براءات الاختراع الصينية فيها ضئيل جدا ، الامر الذى أدى الى انخفاض نصيبها في هذه السوق . وهذه ظاهرة غريبة لا تتفق وما تتمتع به الصين من منزلة كاحدى كبريات القوى الاقتصادية فى العالم .
واذا تعمقنا فى دراسة ما يتعلق بموضوع طلبات تسجيل براءات الاختراع ، نجد ان كل من بريطانيا و فرنسا و مقاطعة تايوان و كوريا كانت قد حصلت عام 2001 على 3000 -4000 تقريبا من حقوق براءات الاختراع فى السوق الامريكية ، واليابان وحدها كانت قد حصلت وحدها على اكثر من 30000 من الحقوق فى نفس العام ، بينماالصين لم تحصل الا على 195 حقا فقط ، اي نسبة 0.05 % فقط من مجموع حقوق براءات الاختراع المسجلة فىالسوق الامريكية ، علما بان صادراتها كانت فى العام نفسه تستحوز على نسبة 8.22 % من مجمل الواردات الامريكية ، وهذا ما جعلنا نلاحظ بان ثمة هوة كبيرة جدا بين عظمة طاقات الصين الصناعية و بين ضآلة مقدرتها التقنية .
و اذا رجعنا الى عام 1996 سنجد ان النسبة التى استحوزتهاالصادرات الصينية من الحجم الاجمالى للواردات الامريكية كانت 1.68 % ، بينماكانت نسبة الحقوق المسجلة من براءات الاختراع الصينية فى السوق الامريكية تقدر بـ 0.06 % ، غير انه فى عام 2000 بلغت نسبة الاول 3.11 % بينما بقيت النسبة الثانية على حالها ( 0.06% ) . وجملة القول ان الصادرات الصينية للسوق الامريكية ظلت في السنوات الخمس الاخيرة ترتفع باطراء بينما لم يطرأ على مقدرتها التقنية التنافسية أئ تغيير ايجابى يذكر . ونلاحظ بان المقدرة الصناعية والتقنية لمقاطعة تايوان و كوريا خلال الفترة نفسها شهدت صعودا ثابتا ، بينما حافظت دول مجلس الاتحاد الاوروبى على نفس المستويات الصناعية و التقنية ، باستثناء المانيا التى كان لها حظ الصعود في هذا الصدد . واما الصين وسنغافورة وماليزيا لم تستطع قدراتها التقنية مسايرة صعود قدراتها الصناعية .
رابعا: تعتمد معظم التقنيات ذات الصفة الريادية على الاستيراد من الخارج ، بينما مع المنتجات التقنية ذات المالكية الفكرية الوطنية محدودة . و ثمة حقيقة اخرى تدل على ضآلة القدرة التقنية الصينية ، اذ نجد ان القيمة المضافة للقطاع الصناعى الصينى لم تحتل عام 2001 الا نسبة قدرها 26.4 % ، بينما وصلت في الولايات المتحدة الى 49% ، وفي المانيا الى 48.5% ، وان معظم المعدات والاجهزة الحديثة والمتقدمة يتم استيرادها من الخارج .
لو اخذنا قطاع صناعة التقنية العالية الذي شهد سرعة لا بأس بها في السنوات الاخيرة كمثال ، نجد ان معدل نسبة قيمتها المضافة 25.2 % وهى نسبة لا تقل فقط عن المستوي المتوسط لمثيلاتها في الدول المتقدمة بـ10% ، بل وتقل ايضا عن مستوى القطاع الصناعى الصينى بـ1.2 % . ويعود السبب فى ذلك الى ان االقطاع الصناعى الصيني بما فيه الصناعات التقنية العالية لم تخرج اساسا الدائرة المعتادة المتمثلة في " ثلاثة ادخالات و تعويض واحد " اي ، تصنيع ومعالجة المواد المستوردة ، او الصناعة وفق العينات التي يقدمها الزبائن ، او صناعة وتركيب التجهيزات بالاعتماد على قطع الغيار الاجنبية ، اضافة الى ما يسمى بالتجارة التعويضية . ففى عام 2002 كانت نسبة 89.6 % من الصادرات الصناعية ذات التقنية العالية تدخل في اطار معالجة المواد المستوردة والصناعة وفق العينات ، بل و تتجه هذه النسبة الى صعود سنوى. وهكذا يبدو جليا ان قطاع صناعة التقنية العالية في الصين يعتمد اساسا على التصنيع ( الاضافي ) ، وينقصه منتجات الملكية الفكرية الوطنية ، وحتى تلك التقنيات الصينية العالية لم تثبت بعد قدرتها التنافسية على الصعيد الدولي ، حيث ان الكثير من التقنيات او قطع الغيار الحساسة التى لاغنى عنها تستورد من الخارج .
تعتبر الكمبيوترات والتلفزيونات الملونة من اهم واكبر المنتجات الصناعية في الصين ، غير ان معظم تقنياتها الحساسة التى لا غنى عنها في التصنيع يتم استيرادها من الخارج . وهذا يدل على ان العديد من القطاعات الصناعية الصينية تعتمد تقنياتها الريادية على الخارج . ولنأخذ كذلك صناعة السيارات كمثال اخر ، فعلى الرغم من ضخامة الزيادة في منتجاتها التي شهدته السنوات الاخيرة ، الا انها تكاد تكون معدومة التقنية ذات الملكية الوطنية .
الاسباب :
تعود الاسباب التى أدت الى تدني مستوى الابداع التقني للقطاع الصناعى الصيني الى ما يلى :
اولا : ان الاستثمارات الهائلة للشركات عابرة للقارات ، بعد دخول الصين لدائرة الصناعات التقنية العالية ، ساعدت اقطاع الصناعي الصيني على الارتقاء بمستوى قدرته التصنيعية الا انها لم تساعد كثيرا على رفع قدرته التقنية .
وان معظم الاستثمارات الاجنبية في الصين تتركز في مجال الصناعة ، حيث تستحوز تقريبا على 71% منها ، وذلك بهدف استخدام الايدى العاملة الرخيصة وترويج منجاتها فى السوق الصينية الضخمة .
وفوق ذلك فان استثمار الشركات العابرة للقارات في مجال البحوث والتنمية قليل جدا ، فمثلا اقامت شركة ABB وشركة DELL وغيرهما من الشركات مصانع لها في مدينة شيا من الصينية ، الا ان استثمارها في مجال البحوث والتنمية تكاد تكون معدومة . فعلى الرغم مما شهدته السنوات القليلة الماضية من ازدياد في حجم استثمارات الشركات العابرة للقارات في مجالات البحوث والتنمية ، الا ان حجمها الاجمالي ليس محدودا فقط ، بل و بطيئ جدا فى رفع مستوى القدرة التقنية للمؤسسات الصناعية الصينية و توجيهها . ولهذا السبب ظل جزأ كبيرا من قطاع صناعة التقنية العالية في الصين ، ولفترة طويلة ، قاعدة تصنيعية فقط للشركات الاجنبية العابرة للقارات .
ثانيا : ان المؤسسات الوطنية الصينية هي " قاتلة بسلاح التكلفة " بشكل اساسي ، الا انها دون المستوى المطلوب لخوض غمار المنافسة سواء من ناحية البحوث التنموية او من ناحية حلقات التسويق و الترويج او صناعة منتجات الماركات ذات الشهرة الواسعة.
لقد ارتقى فعلا مستوى قدرة الصناعات الصينية ، ولكن علينا ان نعى الحقيقة المتمثلة في ان الاقتصاد الصينى ككل يكمن تفوقه النسبى فقط فى زهد اسعار الاراضى والايدى العاملة ، وقد سبق للمؤسسات اليابانية والكورية ومؤسسات مقاطعة تايوان الصينية وان مرت في مثل هذه المرحلة . ويمكن القول بان مؤسسات البلدان النامية ، وهى فى مرحلة اللحق بما هو اكثر تقدما ، تنحصر مزاياها بقلة تكلفة منتجاتها فقط ، وليس فى الحلقات الرئيسية التى تلعب الدورالذى من شأنه ان يزيد من القيمة المضافة ، كحلقات البحوث التنموية والتسويق وابداع الماركات ذات الشهرة العالمية .
ان التطورات السريعة التى شهدها القطاع الصناعى الصينى خلال السنوات القليلة الماضية مكنت بعض مؤسساتها من الدخول الى عداد المؤسسات العالمية المشهورة ، أمثال مؤسسة " ليان شيانغ" و"خا أر" و" بي دا فانغ جانغ" و " قه لان شي " وغيرها من المؤسسات . والجدير بالذكر ان مؤسسة" ليان شيانغ " تعتبر اليوم اكبر مسوق للكمبيوتر في آسيا . تسعى المؤسسات المذكورة الانضمام الى ركاب المؤسسات العالمية والشركات الكبيرة العابرة للقارات ، والدخول في سكة الاقتصاد العالمي والمشاركة فى عملية توزيع الاعمال الدولية ، وتعمل على شق طريقها نحو الاسواق العالمية لكسب المزيد من الحصص واعلاء شأن ماركاتها . ولكن اذا نظرنا الى الوضع العام للقطاع الصناعي الصيني ، نجد ان قدرته الصناعية لم ترتفع الا اعتمادا على الاستفادة من مزية قلة التكلفة ، بينما لم ترافقها سرعة تقدم شبيهة في الابداع التقني . ويمكننا القول باختصار ، ان المؤسسات الصناعية الصينية تلعب الان دور " القاتل بسلاح التكلفة " فى مسيرتها التنموية.
ثالثا : ان المخاطر التي تكمن في الاستثمار بالقطاع التقني جعل المؤسسات الصينية تخشى الاستثمار الكبير في هذا القطاع . ففي المرحلة الراهنة تركز المؤسسات الصينية اعمالها على الاسواق الداخلية . فمستوى المتطلبات التقنية لهذه الاسواق منخفض الى حد ما ، كما ان التقنيات العالية المستوردة تغطي حاجة ومتطلبات الزبائن في الاسواق الصينية . وبغية الاسراع فى استرداد عائدات توظيفها من السوق من الطبيعى ان تركز جل اهتماماتها على رفع قدرتها الصناعية فقط وليس على مجال تنمية تقنيات حديثة لا تعود عائدات توظيفها الا بعد فترة زمنية طويلة . فلو اخذنا الصناعة الاجنبية للسيارات على سبيل المثال ، لوجدنا ان كلفة تصميم اي طراز حديث يصل الى 1000 و2000 مليون دولارامريكى ، وهذا ما يعز على المؤسسات الصينية انفاقه لهذا الغرض ، علما بان هذا المبلغ يساوي تقريبا القيمة الاجمالية لاستثمارات الصين فى صناعة السيارات . اضافة الى الاستثمار في تصميم طراز جديد من السيارات هو استثمار محفوف بالمخاطر ، ولا يمكن ضمان نجاح تنمية هذا النوع من انواع السيارات ..
رابعا : تعتبر المؤسسات الصناعية الصينية صغيرة الحجم قياسا مع مثيلاتها فى العالم ، فحجم المنتجات من السيارات غيرها من المنتجات الصناعية الصينية لم تصل في احجامها الى المستوى الاقتصادي ؛ و تبقى الكثير من انواع المنتجات الصناعية الصينية ضمن الشرائح المتوسطة او المنخفضة ، وارباحها ضئيله بحيث لا تستطع على الاستثمار في الابداع التقني ..
خامسا : لم تكتمل بعد الآلية التى تتمكن المؤسسات الصينية من خلالها ان تصبح كيانا ابداعيا حقيقيا ؛ ومستوى قدرة المؤسسات الصينية على ادارة البحوث التنموية لا زال ضعيفا ؛ والنظم وألاّليات ينقصها تشجيع وتحفيز المؤسسات على الابداع والتحديث ..
الاخطار :
هناك الكثير من العلماء الذين يشككون في ضرورة ان تقوم الصين ، في المرحلة الراهنة ، بدفع وتعزيز قدرات القطاع الصناعي على الابداع والتحديث التقني ، منطلقين في ذلك من استمرار ازدياد القدرة الصناعية الصينية طوال الاعوام الماضية ، متزامنة مع استمرار سرعة ازدياد النمو الاقتصادي الوطني . وهذا ما حملهم على الاعتقاد بامكانية مواصلة الاعتماد الكامل على الشركات الاجنبية عابرة القارات في نقل ما تحتاجه الصين من قدرات تقنية وتصنيعية تضمن التنمية الاقتصادية .
غير اننا نرى ان وجهة النظر هذه تغلب عليها سمة قوامها : الحصول على مصالح اقتصادية قصيرة المدى على حساب التنمية الاقتصادية الصينية بعيدة المدى ، الامر الذى يعرض مستقبل القطاع الصناعى الصيني الى مزيد من المخاطر . ويمكن تبرير ذلك في النقاط الاربعة التالية :
الاولى : تبنى فكرة ميزة قلة التكلفة في القطاع الصناعى الصينى ، فاذا ما انتهجت الدول او المناطق نفس منهجية الانفتاح ، فان تلك الميزة ستنتهي الى الضياع . هذا ، ومع تطور الاقتصاد الصيني سيتواصل معه ارتفاع معدل الرواتب للاشخاص ، مما يشل القدرة التنافسية للقطاع الصناعى الصينى .
الثانية : اذا لا تجد المؤسسات الصناعية الصينية سبيلها الى تعزيز قدراتها المبنية على اساس الماركات الدولية واعلاء شهرة منتجاتها ، وتعزيز قدراتها في البحوث التنموية فلن تتمكن من الحصول الا على نسبة ضئيلة جدا من القيمة المضافة ، وتفقد سلطة التحكم فى تنمية الاسواق وتطويرها ، بل وستبقى لفترة طويلة فى مركز التبعية للشركات الاجنبية عابرة القارات . و فى مثل هذه الحالة فأين ستذهب صورة الصين كدولة كبرى ! ولا يمكن المحافظة على مؤسسات صينية تندرج على قائمة المؤسسات العملاقة الخمسمائة الاولى في العالم .
الثالثة : ان انشاء الشركات الاجنبية عابرة القارات قواعد انتاجية لها في الصين ، ستتحدى فيها استراتيجية التكلفة المنخفضة للصين . فسلسلة الاستراتيجات الجديدة التي اتخذتها المؤسسات اليابانية في الصين هي خير مثال على ذلك . مثلا شركة سوني اليابانية تعمل حاليا على انشاء نظام انتاج وتسويق عالمي مركزه الصين ، لتكسب اكبر حيز من السوق الصينية .
الرابعة : ان استمرار تطور الاقتصاد الصيني سيعمل على ارتفاع حاجة الاسواق الصينية للمنتجات عالية الجودة والتقنية ، اما المنتوجات ذات التكنولوجية المتدنية والنوعية المتدنية فسوف تتراجع مكانتها شيئا فشيئا لتصبح في عداد المنتجات غير الهامة وغير المرغوبة في الاسواق الصينية ...
باحث مركز البحوث للتنمية العلمية و التكنيكية الصينية لوزارة العلوم والتكنيك
النهضة :
تماشيا مع التطورات السريعة التى شهدها القطاع الصناعى الصينى خلال السنوات الاخيرة ، ازدادت باطراء قوته التنافسية فى الاقتصاد العالمي ، كما ازداد نصيبه في الاسواق الدولية في مختلف المجالات ، مما جعل المجتمع الدولي التنبؤ بان الصين ستصبح " مركزا جديدا للصناعات العالمية " .. تتضح حقيقة تعزز قدرات القطاع الصناعى الصينى من خلال ما احرزه من انجازات فى زيادة حجم صادراته :
اولا : شهدت حركة تصدير منتجات القطاع الصناعى الصينى نشاطا وحيوية غير عادية ،حيث ازداد نصيبه فى الاسواق العالمية . فنجد اولا ان معدل نصيبه من المنتجات الصناعية المصدرة الى اسواق الدول ذات الدخل العالي كالولايات المتحدة واليابان في ازدياد متواصل ، وثانيا بدأت تحتل ايضا نصيبا لا باس به فى اسواق كوريا الجنوبية ومقاطعة تايوان .
ثانيا : قياسا مع جحم صادرات المنتجات الصناعية للدول و المناطق الاخرى ، نجد على مستوى بلدان منطقة اسيا والباسيفيك ، بان الصادرات الصينية تتقارب أكثر فأكثر مع مثيلاتها اليابانية في سوق الولايات المتحدة ، ففي عام 2000 كانت نسبة صادرات المنتجات الصناعية لكل الصين واليابان لامريكا تحتل 8.02 % و 12.5% على التوالى ، علما بانها كانت تقدر عام 1995 بنسبة 6.13 % و 16.62 % .
ثالثا: تواصلت زيادة قيمة صادرات الصين ووارداتها من المنتجات الصناعية خلال الفترة 1995 - 2000 ، وخاصة قيمة الصادرات منها ازدادت بسرعة اكثر ، مما جعل حجم فائض الميزان التجاري في صالح الصين في ازدياد مستمر . فخلال العشر سنوات 1991-2000 ، ازدادت حصة الصين في اجمالي الصادرات العالمية 100 % حيث بلغت 3.9 %بعد ان كانت 2 % ، مما جعلها تحتل المرتبة السابعة بعد ان كانت فى المرتبة الثالثة عشرة فى العالم . " راجع الاحصاء السنوي لعام 2002 " ، علما بان 90 % من الصادرات التجارية هي من المنتجات الصناعية الجاهزة .
رابعا: بدأ قطاع المنتجات الصناعية الصيني الناشيء يدخل تدريجيا في نظام التوزيع الصناعي الدولي . اذا نظرنا الى حجم الصادرات الصينية من المنتجات التقنية العالية ، نجد ان منتجات صناعة المعلومات تأتي في المقام الاول ، حيث تحتل نحو نصف اجمالي صادرات منتجات التقنية العالية . ويعود ذلك الى النمو السريع الذى شهده قطاع صناعة المعلومات الذي ترعرع داخل الصين ، والى الحجم الكبير من استثمار الشركات عابرة القارات في هذا القطاع . وحاليا فى الصين اكثر من 1500 مؤسسة تنتسب الى قطاع الاتصالات ، وقد بلغ اجمالي قيمة انتاجها عام 2001 اكثر من 300 بليون ايوان صيني ، وحققت ارباحا ما يارب ال 15 مليار ايوان . وقد شهدت السنوات الاخيرة التي تلت عام 1996 ، زيادة سنوية في اجمالي القيمة الانتاجية للصناعات الصينية تعدت الـ 30 % ، حيث تماثل تقريبا اربع اضعاف نسبة الزيادة التى شهدها الناتج الوطنى الاجمالى GDP في نفس الفترة . واليوم يحتل الحجم الاجمالى لقيمة الانتاج الصناعي الصينى المرتبة الرابعة في العالم ، علما بانها قد اصبحت اكبر دولة منتجة في العالم فى بعض المنتجات .
ان تكوين صادرات بلادنا من منتجات القطاع الصناعى للتقنية العالية يتشابه مع مثيله في مقاطعة تايوان و كوريا الجنوبية ، كون منطقة آسيا تعمل اساسا في مجال صناعة المعلومات ، غير ان نصيب الصين من المنتجات الطبية و الادوية والاجهزة فى الاسواق العالمية ما زال قليلا جدا .
التحديات :
ان الارتقاء بمستوى القدرة الابداعية للقطاع الصناعى الصينى هو الهدف المشترك الذى تسعى الى تحقيقه الصين حكومة ومؤسسات. لقد ادركت المؤسسات الصينية من خلال المنافسة الشديدة التى تشهدها الاسواق مدى اهمية الابداع ، حيث ان بعض المؤسسات العملاقة امثال "ليان شيانغ LIANG XIANG " و" تشانغ هونغ CHANG HONG " وغيرهما ، بدأت تنظر الى الابداع نظرة استراتيجية ، بينما طرحت الحكومة ، منطلقة من زاوية دفع وتطوير القطاع الصيني ، الكثير من الاجراءت التشجيعية التى ترمى الى تحفيز المؤسسات على الابداع . وفعلا حققت هذه الاجراءات غرضها فى رفع قدرة القطاع الصناعى الصينى على الابداع . وعلى الرغم من صعود القدرة الصناعية للقطاع الصناعى الصينى الا ان القدرة التقنية لم تتقدم في السنوات الاخيرة كما يجب ، الامرالذى أدى الى ظهور تغاير وتباين بين القدرتين الصناعية والتقنية . وقد تجسد ذلك في التالي :
اولا : تواصل ازدياد حجم العجز في الميزان التجارى للمنتجات التقنية العالية خلال السنوات الخمس الاخيرة . فعلىالرغم من ان الصادرات الصينية لمنتجات التقنية العالية ظلت محافظة بقوة على توجه النمو والازدياد ، الا ان قيمة وارداتها من هذا النوع من المنتجات تزداد بسرعة اكبر ، مما جعل حجم العجز فى الميزان التجارى في ارتفاع متواصل ، علما بان الجزء الاكبر من ذلك العجز فى الميزان التجارى نجم عن السعي لسد الاحتياجات الضرورية للمحافظة على حجم قيمة صادرات المنتجات الصناعية . وبعبارة اخرى نقول بان الصين ما زالت فى حاجة الى استيراد انواع كثيرة من التقنيات والمعدات وقطع الغيار عالية التقنية والتى لا يمكن الاستغناء عنها للمنتجات الصناعية المصدرة .
ثانيا : واذا دققنا فى مكونات الصادرات الصينية ككل ، نجد ان نسبة صادراتها من منتجات التقنية العالية ما زالت متدنية ، ومستوى المعرفة التكنيكية منخفصا . ففى عام 2001 احتلت صادرات قطاع المنتجات الصناعية ذات المعرفة التكنيكية ( الجمع بين القطاعيين الصناعيين للتقنية العالية والمتوسطة ) نسبة قدرها46 % من اجمالي حجم المنتجات الصينية المصدرة ، و هى نسبة متدنية جدا قياسا مع الدول المتقدمة ودول المنطقة ، ففي الولايات المتحدة بلغت في نفس العام 75 % ، وفي اليابان 83 % ، وفي كوريا الجنوبية 62 % ، وفي مقاطعة تايوان 68.4 % .
ثالثا : ان معدل الامتيازات الصينية في الولايات المتحدة تحتل نسبة متدنية جدا . وذلك يعود الى ان السوق الاميركية هي اكثر الاسواق تقدما في العالم ، ومستوى التنافس التكنيكي فيها هو الاعلى ايضا ، لهذا دائما ما يعتبر العلماء عدد الامتيازات التي تحوز عليها اي دولة في الولايات المتحدة هو علامة هامة للمستوى والقدرة التكنيكية لهذه الدولة .
قياسا الى النسبة التى تستحوزها الصادرات الصينية فى السوق الامريكية نجد عدد طلبات تسجيل براءات الاختراع الصينية فيها ضئيل جدا ، الامر الذى أدى الى انخفاض نصيبها في هذه السوق . وهذه ظاهرة غريبة لا تتفق وما تتمتع به الصين من منزلة كاحدى كبريات القوى الاقتصادية فى العالم .
واذا تعمقنا فى دراسة ما يتعلق بموضوع طلبات تسجيل براءات الاختراع ، نجد ان كل من بريطانيا و فرنسا و مقاطعة تايوان و كوريا كانت قد حصلت عام 2001 على 3000 -4000 تقريبا من حقوق براءات الاختراع فى السوق الامريكية ، واليابان وحدها كانت قد حصلت وحدها على اكثر من 30000 من الحقوق فى نفس العام ، بينماالصين لم تحصل الا على 195 حقا فقط ، اي نسبة 0.05 % فقط من مجموع حقوق براءات الاختراع المسجلة فىالسوق الامريكية ، علما بان صادراتها كانت فى العام نفسه تستحوز على نسبة 8.22 % من مجمل الواردات الامريكية ، وهذا ما جعلنا نلاحظ بان ثمة هوة كبيرة جدا بين عظمة طاقات الصين الصناعية و بين ضآلة مقدرتها التقنية .
و اذا رجعنا الى عام 1996 سنجد ان النسبة التى استحوزتهاالصادرات الصينية من الحجم الاجمالى للواردات الامريكية كانت 1.68 % ، بينماكانت نسبة الحقوق المسجلة من براءات الاختراع الصينية فى السوق الامريكية تقدر بـ 0.06 % ، غير انه فى عام 2000 بلغت نسبة الاول 3.11 % بينما بقيت النسبة الثانية على حالها ( 0.06% ) . وجملة القول ان الصادرات الصينية للسوق الامريكية ظلت في السنوات الخمس الاخيرة ترتفع باطراء بينما لم يطرأ على مقدرتها التقنية التنافسية أئ تغيير ايجابى يذكر . ونلاحظ بان المقدرة الصناعية والتقنية لمقاطعة تايوان و كوريا خلال الفترة نفسها شهدت صعودا ثابتا ، بينما حافظت دول مجلس الاتحاد الاوروبى على نفس المستويات الصناعية و التقنية ، باستثناء المانيا التى كان لها حظ الصعود في هذا الصدد . واما الصين وسنغافورة وماليزيا لم تستطع قدراتها التقنية مسايرة صعود قدراتها الصناعية .
رابعا: تعتمد معظم التقنيات ذات الصفة الريادية على الاستيراد من الخارج ، بينما مع المنتجات التقنية ذات المالكية الفكرية الوطنية محدودة . و ثمة حقيقة اخرى تدل على ضآلة القدرة التقنية الصينية ، اذ نجد ان القيمة المضافة للقطاع الصناعى الصينى لم تحتل عام 2001 الا نسبة قدرها 26.4 % ، بينما وصلت في الولايات المتحدة الى 49% ، وفي المانيا الى 48.5% ، وان معظم المعدات والاجهزة الحديثة والمتقدمة يتم استيرادها من الخارج .
لو اخذنا قطاع صناعة التقنية العالية الذي شهد سرعة لا بأس بها في السنوات الاخيرة كمثال ، نجد ان معدل نسبة قيمتها المضافة 25.2 % وهى نسبة لا تقل فقط عن المستوي المتوسط لمثيلاتها في الدول المتقدمة بـ10% ، بل وتقل ايضا عن مستوى القطاع الصناعى الصينى بـ1.2 % . ويعود السبب فى ذلك الى ان االقطاع الصناعى الصيني بما فيه الصناعات التقنية العالية لم تخرج اساسا الدائرة المعتادة المتمثلة في " ثلاثة ادخالات و تعويض واحد " اي ، تصنيع ومعالجة المواد المستوردة ، او الصناعة وفق العينات التي يقدمها الزبائن ، او صناعة وتركيب التجهيزات بالاعتماد على قطع الغيار الاجنبية ، اضافة الى ما يسمى بالتجارة التعويضية . ففى عام 2002 كانت نسبة 89.6 % من الصادرات الصناعية ذات التقنية العالية تدخل في اطار معالجة المواد المستوردة والصناعة وفق العينات ، بل و تتجه هذه النسبة الى صعود سنوى. وهكذا يبدو جليا ان قطاع صناعة التقنية العالية في الصين يعتمد اساسا على التصنيع ( الاضافي ) ، وينقصه منتجات الملكية الفكرية الوطنية ، وحتى تلك التقنيات الصينية العالية لم تثبت بعد قدرتها التنافسية على الصعيد الدولي ، حيث ان الكثير من التقنيات او قطع الغيار الحساسة التى لاغنى عنها تستورد من الخارج .
تعتبر الكمبيوترات والتلفزيونات الملونة من اهم واكبر المنتجات الصناعية في الصين ، غير ان معظم تقنياتها الحساسة التى لا غنى عنها في التصنيع يتم استيرادها من الخارج . وهذا يدل على ان العديد من القطاعات الصناعية الصينية تعتمد تقنياتها الريادية على الخارج . ولنأخذ كذلك صناعة السيارات كمثال اخر ، فعلى الرغم من ضخامة الزيادة في منتجاتها التي شهدته السنوات الاخيرة ، الا انها تكاد تكون معدومة التقنية ذات الملكية الوطنية .
الاسباب :
تعود الاسباب التى أدت الى تدني مستوى الابداع التقني للقطاع الصناعى الصيني الى ما يلى :
اولا : ان الاستثمارات الهائلة للشركات عابرة للقارات ، بعد دخول الصين لدائرة الصناعات التقنية العالية ، ساعدت اقطاع الصناعي الصيني على الارتقاء بمستوى قدرته التصنيعية الا انها لم تساعد كثيرا على رفع قدرته التقنية .
وان معظم الاستثمارات الاجنبية في الصين تتركز في مجال الصناعة ، حيث تستحوز تقريبا على 71% منها ، وذلك بهدف استخدام الايدى العاملة الرخيصة وترويج منجاتها فى السوق الصينية الضخمة .
وفوق ذلك فان استثمار الشركات العابرة للقارات في مجال البحوث والتنمية قليل جدا ، فمثلا اقامت شركة ABB وشركة DELL وغيرهما من الشركات مصانع لها في مدينة شيا من الصينية ، الا ان استثمارها في مجال البحوث والتنمية تكاد تكون معدومة . فعلى الرغم مما شهدته السنوات القليلة الماضية من ازدياد في حجم استثمارات الشركات العابرة للقارات في مجالات البحوث والتنمية ، الا ان حجمها الاجمالي ليس محدودا فقط ، بل و بطيئ جدا فى رفع مستوى القدرة التقنية للمؤسسات الصناعية الصينية و توجيهها . ولهذا السبب ظل جزأ كبيرا من قطاع صناعة التقنية العالية في الصين ، ولفترة طويلة ، قاعدة تصنيعية فقط للشركات الاجنبية العابرة للقارات .
ثانيا : ان المؤسسات الوطنية الصينية هي " قاتلة بسلاح التكلفة " بشكل اساسي ، الا انها دون المستوى المطلوب لخوض غمار المنافسة سواء من ناحية البحوث التنموية او من ناحية حلقات التسويق و الترويج او صناعة منتجات الماركات ذات الشهرة الواسعة.
لقد ارتقى فعلا مستوى قدرة الصناعات الصينية ، ولكن علينا ان نعى الحقيقة المتمثلة في ان الاقتصاد الصينى ككل يكمن تفوقه النسبى فقط فى زهد اسعار الاراضى والايدى العاملة ، وقد سبق للمؤسسات اليابانية والكورية ومؤسسات مقاطعة تايوان الصينية وان مرت في مثل هذه المرحلة . ويمكن القول بان مؤسسات البلدان النامية ، وهى فى مرحلة اللحق بما هو اكثر تقدما ، تنحصر مزاياها بقلة تكلفة منتجاتها فقط ، وليس فى الحلقات الرئيسية التى تلعب الدورالذى من شأنه ان يزيد من القيمة المضافة ، كحلقات البحوث التنموية والتسويق وابداع الماركات ذات الشهرة العالمية .
ان التطورات السريعة التى شهدها القطاع الصناعى الصينى خلال السنوات القليلة الماضية مكنت بعض مؤسساتها من الدخول الى عداد المؤسسات العالمية المشهورة ، أمثال مؤسسة " ليان شيانغ" و"خا أر" و" بي دا فانغ جانغ" و " قه لان شي " وغيرها من المؤسسات . والجدير بالذكر ان مؤسسة" ليان شيانغ " تعتبر اليوم اكبر مسوق للكمبيوتر في آسيا . تسعى المؤسسات المذكورة الانضمام الى ركاب المؤسسات العالمية والشركات الكبيرة العابرة للقارات ، والدخول في سكة الاقتصاد العالمي والمشاركة فى عملية توزيع الاعمال الدولية ، وتعمل على شق طريقها نحو الاسواق العالمية لكسب المزيد من الحصص واعلاء شأن ماركاتها . ولكن اذا نظرنا الى الوضع العام للقطاع الصناعي الصيني ، نجد ان قدرته الصناعية لم ترتفع الا اعتمادا على الاستفادة من مزية قلة التكلفة ، بينما لم ترافقها سرعة تقدم شبيهة في الابداع التقني . ويمكننا القول باختصار ، ان المؤسسات الصناعية الصينية تلعب الان دور " القاتل بسلاح التكلفة " فى مسيرتها التنموية.
ثالثا : ان المخاطر التي تكمن في الاستثمار بالقطاع التقني جعل المؤسسات الصينية تخشى الاستثمار الكبير في هذا القطاع . ففي المرحلة الراهنة تركز المؤسسات الصينية اعمالها على الاسواق الداخلية . فمستوى المتطلبات التقنية لهذه الاسواق منخفض الى حد ما ، كما ان التقنيات العالية المستوردة تغطي حاجة ومتطلبات الزبائن في الاسواق الصينية . وبغية الاسراع فى استرداد عائدات توظيفها من السوق من الطبيعى ان تركز جل اهتماماتها على رفع قدرتها الصناعية فقط وليس على مجال تنمية تقنيات حديثة لا تعود عائدات توظيفها الا بعد فترة زمنية طويلة . فلو اخذنا الصناعة الاجنبية للسيارات على سبيل المثال ، لوجدنا ان كلفة تصميم اي طراز حديث يصل الى 1000 و2000 مليون دولارامريكى ، وهذا ما يعز على المؤسسات الصينية انفاقه لهذا الغرض ، علما بان هذا المبلغ يساوي تقريبا القيمة الاجمالية لاستثمارات الصين فى صناعة السيارات . اضافة الى الاستثمار في تصميم طراز جديد من السيارات هو استثمار محفوف بالمخاطر ، ولا يمكن ضمان نجاح تنمية هذا النوع من انواع السيارات ..
رابعا : تعتبر المؤسسات الصناعية الصينية صغيرة الحجم قياسا مع مثيلاتها فى العالم ، فحجم المنتجات من السيارات غيرها من المنتجات الصناعية الصينية لم تصل في احجامها الى المستوى الاقتصادي ؛ و تبقى الكثير من انواع المنتجات الصناعية الصينية ضمن الشرائح المتوسطة او المنخفضة ، وارباحها ضئيله بحيث لا تستطع على الاستثمار في الابداع التقني ..
خامسا : لم تكتمل بعد الآلية التى تتمكن المؤسسات الصينية من خلالها ان تصبح كيانا ابداعيا حقيقيا ؛ ومستوى قدرة المؤسسات الصينية على ادارة البحوث التنموية لا زال ضعيفا ؛ والنظم وألاّليات ينقصها تشجيع وتحفيز المؤسسات على الابداع والتحديث ..
الاخطار :
هناك الكثير من العلماء الذين يشككون في ضرورة ان تقوم الصين ، في المرحلة الراهنة ، بدفع وتعزيز قدرات القطاع الصناعي على الابداع والتحديث التقني ، منطلقين في ذلك من استمرار ازدياد القدرة الصناعية الصينية طوال الاعوام الماضية ، متزامنة مع استمرار سرعة ازدياد النمو الاقتصادي الوطني . وهذا ما حملهم على الاعتقاد بامكانية مواصلة الاعتماد الكامل على الشركات الاجنبية عابرة القارات في نقل ما تحتاجه الصين من قدرات تقنية وتصنيعية تضمن التنمية الاقتصادية .
غير اننا نرى ان وجهة النظر هذه تغلب عليها سمة قوامها : الحصول على مصالح اقتصادية قصيرة المدى على حساب التنمية الاقتصادية الصينية بعيدة المدى ، الامر الذى يعرض مستقبل القطاع الصناعى الصيني الى مزيد من المخاطر . ويمكن تبرير ذلك في النقاط الاربعة التالية :
الاولى : تبنى فكرة ميزة قلة التكلفة في القطاع الصناعى الصينى ، فاذا ما انتهجت الدول او المناطق نفس منهجية الانفتاح ، فان تلك الميزة ستنتهي الى الضياع . هذا ، ومع تطور الاقتصاد الصيني سيتواصل معه ارتفاع معدل الرواتب للاشخاص ، مما يشل القدرة التنافسية للقطاع الصناعى الصينى .
الثانية : اذا لا تجد المؤسسات الصناعية الصينية سبيلها الى تعزيز قدراتها المبنية على اساس الماركات الدولية واعلاء شهرة منتجاتها ، وتعزيز قدراتها في البحوث التنموية فلن تتمكن من الحصول الا على نسبة ضئيلة جدا من القيمة المضافة ، وتفقد سلطة التحكم فى تنمية الاسواق وتطويرها ، بل وستبقى لفترة طويلة فى مركز التبعية للشركات الاجنبية عابرة القارات . و فى مثل هذه الحالة فأين ستذهب صورة الصين كدولة كبرى ! ولا يمكن المحافظة على مؤسسات صينية تندرج على قائمة المؤسسات العملاقة الخمسمائة الاولى في العالم .
الثالثة : ان انشاء الشركات الاجنبية عابرة القارات قواعد انتاجية لها في الصين ، ستتحدى فيها استراتيجية التكلفة المنخفضة للصين . فسلسلة الاستراتيجات الجديدة التي اتخذتها المؤسسات اليابانية في الصين هي خير مثال على ذلك . مثلا شركة سوني اليابانية تعمل حاليا على انشاء نظام انتاج وتسويق عالمي مركزه الصين ، لتكسب اكبر حيز من السوق الصينية .
الرابعة : ان استمرار تطور الاقتصاد الصيني سيعمل على ارتفاع حاجة الاسواق الصينية للمنتجات عالية الجودة والتقنية ، اما المنتوجات ذات التكنولوجية المتدنية والنوعية المتدنية فسوف تتراجع مكانتها شيئا فشيئا لتصبح في عداد المنتجات غير الهامة وغير المرغوبة في الاسواق الصينية ...
- مرسا
عدد المساهمات : 4195
نقاط : 8169
التقييم : 14
تاريخ التسجيل : 23/02/2011
العمل/الترفيه : https://mrsa.hooxs.com/
رد: قوة الصين التقنية لا تتماثل و قوتها الصناعية
الأربعاء 30 مارس 2011, 10:07 am
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى