- sror
عدد المساهمات : 1115
نقاط : 1497
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 07/08/2011
الصيام والصمود
الجمعة 12 أغسطس 2011, 7:19 pm
الصيام والصمود
مدخل.
الصيام.. فريضة عظيمة وعجيبة. إنه ليس
عملاً إيجابياً وفعلاً تقوم به كالصلاة أو الزكاة أو الحج أو الجهاد.
ولكنه امتناع.. عن مزاولة أشياء كانت (خارجة) من المباحات. فهو لذلك عمل
سلبي.. إن جاز التعبير. فهو من هذه الزاوية والناحية ما أشبهه "بفعل"
الصمود. إن الصمود ليس فعلاً إيجابياً بقدر ما هو امتناع النفس بإيمانها عن
أن تستسلم أو تضعف أو تنهار. هذا الامتناع أو الممانعة، هو الذي يصيب عدوك
بالشلل والعجز ويملؤه بالغيظ والقهر والإحباط.
إن منهج الإسلام العظيم، بهذه الفريضة
العظيمة ومن خلال هذا الركن الرائع العظيم يجعل أمة الإسلام قلعة لا تضام
ولا ترام. وحمىً يأبى الاستسلام. ويجعل المؤمنين أعزة يتأبون على الإرغام
أو أن تمرغ أنوفهم في الرغام.
وكم مرّغ مقاوم بطل أنف المحقق
الصهيوني في زنازين التحقيق بصومه عن الكلام.. وأثبت موقف رجولة وبطولة، بل
إن بعضهم كان يتحدى أن ينتزعوا منه كلمة. وكذا الإضراب عن الطعام تجسيد
لهذا المعنى.
وهذا زكريا عليه السلام في معاملة بني
إسرائيل، ومريم عليها السلام في مواجهتهم كذلك، يوجههما الله إلى أن لا
يتكلما وبهذا الموقف الامتناعي يكفان ألسنة بني إسرائيل فيقول زكريا: "قال
رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا". آل عمران
41. وتقول مريم: "إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً". مريم 26.
2- حِكَم الصيام.
وحكم الصيام لا تحصى ولا تعد. وقد تكلمنا فيه وتكلم الآخرون كثيراً، لكن يمكن أن نستحضر الآن سريعاً بعض هاتيك الحكم:
1- "لعلكم تتقون" وملخص هذه الحكمة أن
التقوى هي ملخص الدين وتتحقق هذه التقوى بمراقبة الله، والصيام فريضة لا
رقيب عليك فيها إلا الله، فبالصيام تتعلم المراقبة وهذه هي التقوى.
2- "ولعلكم تشكرون" الشكر نصف
الإيمان. وقليل من العباد الشكور. ونعمة المنهج أجل النعم وأعظمها، والشكر
عليها واجب ومفروض، والصوم هو صورة هذا الشكر: "شهر رمضان الذي أنزل فيه
القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه.."
إلى أن قال: "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون".
3- "فإني قريب" أقصد أن من أعظم حكم
الصوم أنه رحلة اقتراب من مولانا بعد ابتعاد واغتراب، وكل العبادات مقصدها
هذا المقصد، واستمع: "واسجد واقترب" "ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات
الرسول ألا إنها قربة لهم" وفي الحديث: "اقرأ وارتق" وفي الصوم: "وإذا سألك
عبادي عني فإني قريب".
4- "لعلهم يرشدون" والصيام رشد، لأن
الصيام لجم للشهوات، والشهوات واتباعها سبل الغي، أما قرأت "واتبعوا
الشهوات فسوف يلقون غياً". والصوم ضبط لهذه الشهوات وتحكم فيها بدل أن
تتحكم هي فيك. فإذا لجمتها استجبت لداعي الدين والعقل وهذا هو الرشد. وفي
قصة موسى والعبد الصالح وهي قصة في طلب العلم قال: "هل أتبعك على أن تعلمني
مما علمت رشداً" والصوم تشبّه بالملائكة في عدم الأكل والشرب، فمن تشبّه
بالملائكة في الامتناع عن الطعام والشراب تشبّه بهم في الانضباط والأخلاق
السامية، ولذلك يطلب من الصائم إن احتك به أحد أو سابه أن يذكّر نفسه
فيقول: "إني صائم" وهذا ليس ليفتخر على أحد، ولكن لينتصر على ضعفه وليذكّر
ذاته.
5- الصيام دورة في الصبر، والصبر نصف الإيمان، وهذه نقطة لا تحتاج إلى مزيد بيان، فالصوم ليس إلا صبراً.
6- الصيام تقوية للإرادة وتعزيز لها
وانتصار لها، والدين إرادة والعبادة إرادة والجهاد إرادة والتغيير إرادة
والنهوض إرادة فهي ملح الشخصيات والأخلاق.
7- الصيام دورة في تقوية الروح وإعلاء
لها على قبضة الطين.. وهذا واضح. وأنت بالروح لا بالجسم إنسان. والكرامة
ليست في القبضة الطينية ولكنها بالدرجة الأولى في النفخة العلوية: "ونفخت
فيه من روحي فقعوا له ساجدين" والسجود ليس لطينتك ولكن لجوهرك وهو الروح.
صحيح أنه لا فكاك، لكن البحث عمن له القيادة!
8- الصيام صيانة لقلعة هذا الجسد
وترميم لنقاط الضعف. والشهوات هي نقاط ضعف القلعة، والامتحان الأول الذي
رسبنا فيه الطعام.. لذا كان الصيام "إكمالاً" بعد الرسوب في هذا الامتحان.
9- الصيام فرصة لاكتشاف الذات وما أودع فيها من طاقات.
10- الصيام تعليم لقيمة الوقت. ففي دقيقة تمسك وفي دقيقة تفطر.
11- بالصيام تزكو أخلاق المجتمع
فردياً وجماعياً "الصيام جنة" ومن ضمن معناها: جنة من سوء الأخلاق. وبالطبع
جنة من النار ومن غضب الجبار ومن الفرقة.. الخ.
12- الصيام فرصة لرفع معدلاتنا لتأهيلنا لدخول الجنة.
13- الصيام توحيد للأمة من خلال وحدة الممارسات..
14- بالصوم تذوق حلاوة الإيمان والقيام والتلاوة والعبادة والجماعة والطاعات. ومن ذاق عرف. ومن عرف عاد واغترف.
15- الصيام تزكية للنفس وتطهير لها من
الأدران، وغسل لها مما علق بها من أوساخ الذنوب وأوضار الأوزار. والثوب لا
نحرقه إن اتسخ ولكن نغسله.. أعني النفس.
16- تعليم فلسفة الاستغناء. وروح
ثقافة الحضارة الغربية، وروح العصر هي ثقافة الاستهلاك والتكاثر الذي قال
عنه الله في كتابه "ألهاكم التكاثر" ولكنا بالصوم نتقدم بفلسفة جديدة
مغايرة هي فلسفة الاستغناء. فليس الغني من اقتنى إنما الغني من استغنى.
والفاروق أبو المرقعة فتح بيت المقدس بمرقعته. ونحن أضعنا بيت المقدس رغم
الأثاث والرياش..
17- استشعار قيمة الطعام والشراب وما
نتقلب فيه من نعم. ومثلما لا يعرف الصحة إلا من مرض ولا طعم الحرية إلا من
ذاق الأسر، لا يعرف الناس قيمة الأشياء إلا بفقدها.
18-تربية الرقابة الداخلية.
19- الشعور مع الفقير والمحتاج وصيانة شبكة العلاقات الاجتماعية.
20- تعليم الجود. فكان رسول الله في
رمضان أجود من الريح المرسلة..، وصدقة الفطر، قبول الصوم مرتبط بها ليعلمك
مع الصيام الجود. وأغلب الناس يزكون في رمضان والجمعيات الخيرية تجمع في
رمضان عن السنة كلها.
21- سقيا شجرة الإيمان لتظل يانعة.
22- كسر رتابة الحياة وروتينها.
23- التحرر من العادات.
24- فترة راحة لأجهزة الجسم بعد عناء سنة.
25- لئن كان الامتناع عن المباحات مطلوباً فإن الامتناع عن المحرمات أفرض وأوجب في رمضان وغير رمضان.
26- رمضان إعادة شحن بالطاقة كلما نفدت الطاقة من الإنسان تماماً كالوقود في السيارات أو بطاريات التليفونات.
27- رمضان روح تروح معك حيث تروح وليست شيئاً تتركه وتروح.
28- كما أن لكل سنة ربيعاً فقد جعل الله ربيع العام رمضان.
29- في كل رمضان ينتبه العالم إلى
عظمة الإسلام فما هذا الدين الذي يستطيع أن يحرك مئات الملايين فتمتنع عن
الضرورات بلا قوة ولا إجبار؟ إنه دين عظيم.
30- تجربة إيمانية فيها تجديد يقبل
عليها الناس بعزم وهمة ولأن رمضان روح نزل فيه كتاب هو روح، ونزل به جبريل
وهو روح فتشرق في هذا الشهر الروح، ولذلك تجد من علو الهمة في هذا الشهر ما
لا تجد قطعاً في غيره! والحكم لا تنتهي.
وهناك من الحكم ما لا يحيط به
العادون.. حقيقة. ولكني في هذه المقالة أو العجالة أريد أن أركز على بعد
واحد أو معنى واحد هو ما عنونا به: الصيام والصمود.
3- فلسفة الصوم.. فلسفة الصمود.
إن روح الصوم هي روح الصمود. ومن راقب
صوم الأطفال رأى كيف يقاوم الطفل ويتدرب على المقاومة ويعلمه أهله روح
المقاومة. ونذكر حين كنا أطفالاً بدأنا الصيام من سن الخامسة بفضل الله..
وكان يبلغ منا الرهق مبلغه.. والإعياء حده.. وقد بدأنا الصيام في مثل هذه
الأيام من وقدة الصيف.. وحمارّة القيظ.. ونجحنا بفضل الله في الاختبار.
وتروي الصحابيات الجليلات أنهن كن يدربن الأطفال على الصيام فإذا بكوا
عللوهم باللعب حتى يؤذن المغرب.. كل ذلك تدريب على الصمود والمقاومة.
إن شعبنا اللبناني والفلسطيني قد
استطاع بصموده أن يصل إلى درجة توازن الرعب مع العدو. ولولا السلطة لكان
وضع الشعب في صموده ومقاومته وانتفاضاته وهباته على خير حال. ولولا افتعال
أزمات بين السنة والشيعة في لبنان لكان وضع الناس والمقاومة بألف خير. لكن
قاتل الله العملاء في كل بلد وعلى كل حال.
إن من أعظم حكم الصوم أن يعلمك كيف
تتحكم في ذاتك وطاقاتك وغرائزك ومكوناتك وكيف تنتصر على شيطانك ونزغاته
ووسوساته وكيف تتغلب على توهمات الضعف فيك وعندك..
الضعف جله توهم وليس حقيقة، وبالصوم تنفي الوهم وترسو على أرض الحقائق. والحقيقة هي الصبر والصمود الذي يعقبه الظفر والنصر..
ومن عملوا على تفريغ الصوم من الروح
والمضامين دروا أو لم يدروا إنما هم يعملون لصالح مشاريع العدو. ولأمر حكيم
يشاء الله الحكيم أن يكون فرض رمضان في السنة التي فرض فيها القتال.
فبدأنا الصيام الذي هو امتناع ثم أعقبه الاندفاع في بدر. وآيات القتال
وكتابة القتال بعد آيات الصيام وكتْب الصيام. الامتناع فلسفة عظيمة وممارسة
راقية. وإلا فقل لي ماذا نملك إزاء من تغولوا علينا في الأسعار؟ أما سمعت
قول ذاك التابعي عندما شكا إليه الناس جشع التجار وغلاء الأسعار وندرة
الأقوات قال: أرخصوها.. يقصد بقلة شرائها أو الامتناع عن ذلك!
يقول الأستاذ أحمد عادل كمال في كتابه
"الطريق إلى دمشق" ص502-503 : "بعد ثلاثة عشر قرناً يكتشف "كلاوزفتز"
"نظرية" فعلها خالد على ضفاف اليرموك..
لقد كانت أبرز إضافاته إلى نظرية
الحرب هو ذلك الربط المنطقي بين الدفاع والهجوم. فالمدافع في رأيه، يستطيع
باستمرار الصمود، أن يصل إلى نقطة يحقق عندها الإجهاد الشامل للمهاجم،
وعندئذ يتحول المدافع إلى الهجوم ليحسم المعركة. وعلاقة الدفاع بالهجوم
تكمن في قدرة المدافع وراء دفاعاته رغم سلبيته وضعف المهاجم أمام الدفاعات
رغم إيجابيته. والشرط الأساسي المرتبط بهذا أن يتضمن الدفاع تحولاً إلى
الهجوم في الوقت المباشر".
ويقول "ليدل هارت" الذي يعتبرونه أبو
الإستراتيجية في القرن العشرين: "..وإذا كان عدد الجنود في معسكرك يقل عن
العدد في معسكر العدو، فحاول مؤقتاً أن تعطيه فرصة الهجوم المفاجيء على
معسكرك.. وأكبر الظن أنك تواجه ناحية ضعيفة في معسكر العدو لتفاجئه أنت
بالهجوم.. عندئذ استجمع كل قوتك واعزم على النصر.. وسيكون النصر حليفك..
وفي مثل هذه الحالات فإن الذي يقرر النصر النهائي هو مهارة القيادة وثقافة
الجند وتجاربهم في فن القتال وفي رواسخ المعنويات.. وإذا كان معسكرنا
وقوانا في نظام معقول ومستوى جيد، وكانت قوات العدو ينقصها النظام ورفعة
المستوى.. وإذا كنت أنا نشيط الفكر والحركة وكان خصمي بليداً مشوش الفكر
وفاقد الحركة الماهرة.. عندئذ سأشتبك معه في القتال على الفور".
إن من يحاول أن ينشر في الأمة روح
التخاذل والتثبيط والعجز والفشل هم جزء من العدو ومخططه ومشروعه التوسعي
الاحتلالي الهادف إلى تدمير مقومات وجودنا. وما الرسالة التي يريد نشرها
إعلامنا العربي من مسلسلاته في رمضان؟ وكم قلت: إن الإعلام العربي كالدب،
يبيت طيلة فصل الشتاء، فإذا حلّ الربيع استيقظ.. شرهاً نهماً جائعاً. وهذا
إعلامنا ينام طيلة شهور السنة. حتى إذا قارب رمضان قام من رقدته ونومته
ليشغل كل الكاميرات والبلاتوهات ويبدأ "آكشن"، ومسلسلاته كلها تتفيه
للشخصيات وللعقول وللقيم والذوق والأخلاق، فلا فن ولا ذوق ولا رسالة ولا
هدف. وينفق من أموالنا في تتفيه حياتنا مليارات كانت كفيلة بإحياء روح
المقاومة لو جعلناه إعلام مقاومة!
إيه يا رمضان يا شهر الصمود. كيف حولوك إلى شهر الركود والرقود والخمود والهمود والجمود والقعود..
كيف حولوا ليل القيام إلى ليل الخيام الرمضانية، والأراجيل؟
بالجهود والعمل الدؤوب والإصرار.. نستطيع أن نعيد إلى رمضان روحه.. وما
روح رمضان وفلسفته إلا أن يكون شهر إعداد.. وأول عتبات الإعداد إعداد
الإنسان.. وأول عتبات إعداد الإنسان إعداد روحه، وأول ذلك كله إرادة تنعقد
على الصمود وعزم أكيد على المقاومة.. وتقبل الله الطاعات وكل رمضان والأمة
بألف خير.
تحياتي لكم
مدخل.
الصيام.. فريضة عظيمة وعجيبة. إنه ليس
عملاً إيجابياً وفعلاً تقوم به كالصلاة أو الزكاة أو الحج أو الجهاد.
ولكنه امتناع.. عن مزاولة أشياء كانت (خارجة) من المباحات. فهو لذلك عمل
سلبي.. إن جاز التعبير. فهو من هذه الزاوية والناحية ما أشبهه "بفعل"
الصمود. إن الصمود ليس فعلاً إيجابياً بقدر ما هو امتناع النفس بإيمانها عن
أن تستسلم أو تضعف أو تنهار. هذا الامتناع أو الممانعة، هو الذي يصيب عدوك
بالشلل والعجز ويملؤه بالغيظ والقهر والإحباط.
إن منهج الإسلام العظيم، بهذه الفريضة
العظيمة ومن خلال هذا الركن الرائع العظيم يجعل أمة الإسلام قلعة لا تضام
ولا ترام. وحمىً يأبى الاستسلام. ويجعل المؤمنين أعزة يتأبون على الإرغام
أو أن تمرغ أنوفهم في الرغام.
وكم مرّغ مقاوم بطل أنف المحقق
الصهيوني في زنازين التحقيق بصومه عن الكلام.. وأثبت موقف رجولة وبطولة، بل
إن بعضهم كان يتحدى أن ينتزعوا منه كلمة. وكذا الإضراب عن الطعام تجسيد
لهذا المعنى.
وهذا زكريا عليه السلام في معاملة بني
إسرائيل، ومريم عليها السلام في مواجهتهم كذلك، يوجههما الله إلى أن لا
يتكلما وبهذا الموقف الامتناعي يكفان ألسنة بني إسرائيل فيقول زكريا: "قال
رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا". آل عمران
41. وتقول مريم: "إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً". مريم 26.
2- حِكَم الصيام.
وحكم الصيام لا تحصى ولا تعد. وقد تكلمنا فيه وتكلم الآخرون كثيراً، لكن يمكن أن نستحضر الآن سريعاً بعض هاتيك الحكم:
1- "لعلكم تتقون" وملخص هذه الحكمة أن
التقوى هي ملخص الدين وتتحقق هذه التقوى بمراقبة الله، والصيام فريضة لا
رقيب عليك فيها إلا الله، فبالصيام تتعلم المراقبة وهذه هي التقوى.
2- "ولعلكم تشكرون" الشكر نصف
الإيمان. وقليل من العباد الشكور. ونعمة المنهج أجل النعم وأعظمها، والشكر
عليها واجب ومفروض، والصوم هو صورة هذا الشكر: "شهر رمضان الذي أنزل فيه
القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه.."
إلى أن قال: "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون".
3- "فإني قريب" أقصد أن من أعظم حكم
الصوم أنه رحلة اقتراب من مولانا بعد ابتعاد واغتراب، وكل العبادات مقصدها
هذا المقصد، واستمع: "واسجد واقترب" "ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات
الرسول ألا إنها قربة لهم" وفي الحديث: "اقرأ وارتق" وفي الصوم: "وإذا سألك
عبادي عني فإني قريب".
4- "لعلهم يرشدون" والصيام رشد، لأن
الصيام لجم للشهوات، والشهوات واتباعها سبل الغي، أما قرأت "واتبعوا
الشهوات فسوف يلقون غياً". والصوم ضبط لهذه الشهوات وتحكم فيها بدل أن
تتحكم هي فيك. فإذا لجمتها استجبت لداعي الدين والعقل وهذا هو الرشد. وفي
قصة موسى والعبد الصالح وهي قصة في طلب العلم قال: "هل أتبعك على أن تعلمني
مما علمت رشداً" والصوم تشبّه بالملائكة في عدم الأكل والشرب، فمن تشبّه
بالملائكة في الامتناع عن الطعام والشراب تشبّه بهم في الانضباط والأخلاق
السامية، ولذلك يطلب من الصائم إن احتك به أحد أو سابه أن يذكّر نفسه
فيقول: "إني صائم" وهذا ليس ليفتخر على أحد، ولكن لينتصر على ضعفه وليذكّر
ذاته.
5- الصيام دورة في الصبر، والصبر نصف الإيمان، وهذه نقطة لا تحتاج إلى مزيد بيان، فالصوم ليس إلا صبراً.
6- الصيام تقوية للإرادة وتعزيز لها
وانتصار لها، والدين إرادة والعبادة إرادة والجهاد إرادة والتغيير إرادة
والنهوض إرادة فهي ملح الشخصيات والأخلاق.
7- الصيام دورة في تقوية الروح وإعلاء
لها على قبضة الطين.. وهذا واضح. وأنت بالروح لا بالجسم إنسان. والكرامة
ليست في القبضة الطينية ولكنها بالدرجة الأولى في النفخة العلوية: "ونفخت
فيه من روحي فقعوا له ساجدين" والسجود ليس لطينتك ولكن لجوهرك وهو الروح.
صحيح أنه لا فكاك، لكن البحث عمن له القيادة!
8- الصيام صيانة لقلعة هذا الجسد
وترميم لنقاط الضعف. والشهوات هي نقاط ضعف القلعة، والامتحان الأول الذي
رسبنا فيه الطعام.. لذا كان الصيام "إكمالاً" بعد الرسوب في هذا الامتحان.
9- الصيام فرصة لاكتشاف الذات وما أودع فيها من طاقات.
10- الصيام تعليم لقيمة الوقت. ففي دقيقة تمسك وفي دقيقة تفطر.
11- بالصيام تزكو أخلاق المجتمع
فردياً وجماعياً "الصيام جنة" ومن ضمن معناها: جنة من سوء الأخلاق. وبالطبع
جنة من النار ومن غضب الجبار ومن الفرقة.. الخ.
12- الصيام فرصة لرفع معدلاتنا لتأهيلنا لدخول الجنة.
13- الصيام توحيد للأمة من خلال وحدة الممارسات..
14- بالصوم تذوق حلاوة الإيمان والقيام والتلاوة والعبادة والجماعة والطاعات. ومن ذاق عرف. ومن عرف عاد واغترف.
15- الصيام تزكية للنفس وتطهير لها من
الأدران، وغسل لها مما علق بها من أوساخ الذنوب وأوضار الأوزار. والثوب لا
نحرقه إن اتسخ ولكن نغسله.. أعني النفس.
16- تعليم فلسفة الاستغناء. وروح
ثقافة الحضارة الغربية، وروح العصر هي ثقافة الاستهلاك والتكاثر الذي قال
عنه الله في كتابه "ألهاكم التكاثر" ولكنا بالصوم نتقدم بفلسفة جديدة
مغايرة هي فلسفة الاستغناء. فليس الغني من اقتنى إنما الغني من استغنى.
والفاروق أبو المرقعة فتح بيت المقدس بمرقعته. ونحن أضعنا بيت المقدس رغم
الأثاث والرياش..
17- استشعار قيمة الطعام والشراب وما
نتقلب فيه من نعم. ومثلما لا يعرف الصحة إلا من مرض ولا طعم الحرية إلا من
ذاق الأسر، لا يعرف الناس قيمة الأشياء إلا بفقدها.
18-تربية الرقابة الداخلية.
19- الشعور مع الفقير والمحتاج وصيانة شبكة العلاقات الاجتماعية.
20- تعليم الجود. فكان رسول الله في
رمضان أجود من الريح المرسلة..، وصدقة الفطر، قبول الصوم مرتبط بها ليعلمك
مع الصيام الجود. وأغلب الناس يزكون في رمضان والجمعيات الخيرية تجمع في
رمضان عن السنة كلها.
21- سقيا شجرة الإيمان لتظل يانعة.
22- كسر رتابة الحياة وروتينها.
23- التحرر من العادات.
24- فترة راحة لأجهزة الجسم بعد عناء سنة.
25- لئن كان الامتناع عن المباحات مطلوباً فإن الامتناع عن المحرمات أفرض وأوجب في رمضان وغير رمضان.
26- رمضان إعادة شحن بالطاقة كلما نفدت الطاقة من الإنسان تماماً كالوقود في السيارات أو بطاريات التليفونات.
27- رمضان روح تروح معك حيث تروح وليست شيئاً تتركه وتروح.
28- كما أن لكل سنة ربيعاً فقد جعل الله ربيع العام رمضان.
29- في كل رمضان ينتبه العالم إلى
عظمة الإسلام فما هذا الدين الذي يستطيع أن يحرك مئات الملايين فتمتنع عن
الضرورات بلا قوة ولا إجبار؟ إنه دين عظيم.
30- تجربة إيمانية فيها تجديد يقبل
عليها الناس بعزم وهمة ولأن رمضان روح نزل فيه كتاب هو روح، ونزل به جبريل
وهو روح فتشرق في هذا الشهر الروح، ولذلك تجد من علو الهمة في هذا الشهر ما
لا تجد قطعاً في غيره! والحكم لا تنتهي.
وهناك من الحكم ما لا يحيط به
العادون.. حقيقة. ولكني في هذه المقالة أو العجالة أريد أن أركز على بعد
واحد أو معنى واحد هو ما عنونا به: الصيام والصمود.
3- فلسفة الصوم.. فلسفة الصمود.
إن روح الصوم هي روح الصمود. ومن راقب
صوم الأطفال رأى كيف يقاوم الطفل ويتدرب على المقاومة ويعلمه أهله روح
المقاومة. ونذكر حين كنا أطفالاً بدأنا الصيام من سن الخامسة بفضل الله..
وكان يبلغ منا الرهق مبلغه.. والإعياء حده.. وقد بدأنا الصيام في مثل هذه
الأيام من وقدة الصيف.. وحمارّة القيظ.. ونجحنا بفضل الله في الاختبار.
وتروي الصحابيات الجليلات أنهن كن يدربن الأطفال على الصيام فإذا بكوا
عللوهم باللعب حتى يؤذن المغرب.. كل ذلك تدريب على الصمود والمقاومة.
إن شعبنا اللبناني والفلسطيني قد
استطاع بصموده أن يصل إلى درجة توازن الرعب مع العدو. ولولا السلطة لكان
وضع الشعب في صموده ومقاومته وانتفاضاته وهباته على خير حال. ولولا افتعال
أزمات بين السنة والشيعة في لبنان لكان وضع الناس والمقاومة بألف خير. لكن
قاتل الله العملاء في كل بلد وعلى كل حال.
إن من أعظم حكم الصوم أن يعلمك كيف
تتحكم في ذاتك وطاقاتك وغرائزك ومكوناتك وكيف تنتصر على شيطانك ونزغاته
ووسوساته وكيف تتغلب على توهمات الضعف فيك وعندك..
الضعف جله توهم وليس حقيقة، وبالصوم تنفي الوهم وترسو على أرض الحقائق. والحقيقة هي الصبر والصمود الذي يعقبه الظفر والنصر..
ومن عملوا على تفريغ الصوم من الروح
والمضامين دروا أو لم يدروا إنما هم يعملون لصالح مشاريع العدو. ولأمر حكيم
يشاء الله الحكيم أن يكون فرض رمضان في السنة التي فرض فيها القتال.
فبدأنا الصيام الذي هو امتناع ثم أعقبه الاندفاع في بدر. وآيات القتال
وكتابة القتال بعد آيات الصيام وكتْب الصيام. الامتناع فلسفة عظيمة وممارسة
راقية. وإلا فقل لي ماذا نملك إزاء من تغولوا علينا في الأسعار؟ أما سمعت
قول ذاك التابعي عندما شكا إليه الناس جشع التجار وغلاء الأسعار وندرة
الأقوات قال: أرخصوها.. يقصد بقلة شرائها أو الامتناع عن ذلك!
يقول الأستاذ أحمد عادل كمال في كتابه
"الطريق إلى دمشق" ص502-503 : "بعد ثلاثة عشر قرناً يكتشف "كلاوزفتز"
"نظرية" فعلها خالد على ضفاف اليرموك..
لقد كانت أبرز إضافاته إلى نظرية
الحرب هو ذلك الربط المنطقي بين الدفاع والهجوم. فالمدافع في رأيه، يستطيع
باستمرار الصمود، أن يصل إلى نقطة يحقق عندها الإجهاد الشامل للمهاجم،
وعندئذ يتحول المدافع إلى الهجوم ليحسم المعركة. وعلاقة الدفاع بالهجوم
تكمن في قدرة المدافع وراء دفاعاته رغم سلبيته وضعف المهاجم أمام الدفاعات
رغم إيجابيته. والشرط الأساسي المرتبط بهذا أن يتضمن الدفاع تحولاً إلى
الهجوم في الوقت المباشر".
ويقول "ليدل هارت" الذي يعتبرونه أبو
الإستراتيجية في القرن العشرين: "..وإذا كان عدد الجنود في معسكرك يقل عن
العدد في معسكر العدو، فحاول مؤقتاً أن تعطيه فرصة الهجوم المفاجيء على
معسكرك.. وأكبر الظن أنك تواجه ناحية ضعيفة في معسكر العدو لتفاجئه أنت
بالهجوم.. عندئذ استجمع كل قوتك واعزم على النصر.. وسيكون النصر حليفك..
وفي مثل هذه الحالات فإن الذي يقرر النصر النهائي هو مهارة القيادة وثقافة
الجند وتجاربهم في فن القتال وفي رواسخ المعنويات.. وإذا كان معسكرنا
وقوانا في نظام معقول ومستوى جيد، وكانت قوات العدو ينقصها النظام ورفعة
المستوى.. وإذا كنت أنا نشيط الفكر والحركة وكان خصمي بليداً مشوش الفكر
وفاقد الحركة الماهرة.. عندئذ سأشتبك معه في القتال على الفور".
إن من يحاول أن ينشر في الأمة روح
التخاذل والتثبيط والعجز والفشل هم جزء من العدو ومخططه ومشروعه التوسعي
الاحتلالي الهادف إلى تدمير مقومات وجودنا. وما الرسالة التي يريد نشرها
إعلامنا العربي من مسلسلاته في رمضان؟ وكم قلت: إن الإعلام العربي كالدب،
يبيت طيلة فصل الشتاء، فإذا حلّ الربيع استيقظ.. شرهاً نهماً جائعاً. وهذا
إعلامنا ينام طيلة شهور السنة. حتى إذا قارب رمضان قام من رقدته ونومته
ليشغل كل الكاميرات والبلاتوهات ويبدأ "آكشن"، ومسلسلاته كلها تتفيه
للشخصيات وللعقول وللقيم والذوق والأخلاق، فلا فن ولا ذوق ولا رسالة ولا
هدف. وينفق من أموالنا في تتفيه حياتنا مليارات كانت كفيلة بإحياء روح
المقاومة لو جعلناه إعلام مقاومة!
إيه يا رمضان يا شهر الصمود. كيف حولوك إلى شهر الركود والرقود والخمود والهمود والجمود والقعود..
كيف حولوا ليل القيام إلى ليل الخيام الرمضانية، والأراجيل؟
بالجهود والعمل الدؤوب والإصرار.. نستطيع أن نعيد إلى رمضان روحه.. وما
روح رمضان وفلسفته إلا أن يكون شهر إعداد.. وأول عتبات الإعداد إعداد
الإنسان.. وأول عتبات إعداد الإنسان إعداد روحه، وأول ذلك كله إرادة تنعقد
على الصمود وعزم أكيد على المقاومة.. وتقبل الله الطاعات وكل رمضان والأمة
بألف خير.
تحياتي لكم
- حياة
عدد المساهمات : 81
نقاط : 83
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 12/08/2011
رد: الصيام والصمود
السبت 13 أغسطس 2011, 12:06 pm
جعله الله فى ميزان حسناتك
موضوع اكتر من رائع
موضوع اكتر من رائع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى