الخوف من الفرح
د.حسان المالح
استشاري الطب النفسي - دمشق 2322841

هناك عدد كبير من الأشخاص يخافون من الفرح والبهجة والضحك


.. ويتردد في الأحاديث الشعبية أنه بعد أن يضحك الجميع لسبب


معين يقول
أحدهم " الله يعطينا خير هذا الضحك " أو بما معناه .. وكأن الضحك سوف يسبب
شراً ويأتي الدعاء لدرء ذلك الشر أو تعويذة ضده .

وبعض الضحك الشديد يوصف بأنه : " سوف أموت من الضحك


" وكأن الضحك
مقترن بالموت أو قريب منه . ويقول المثل العربي القديم " كثرة الضحك تذهب
المهابة " أي تفقد الرجل هيبته ومنزلته ووقاره .. وكأن الوقار والهيبة
تستلزم التكشير وتقطيب الحاجبين غالباً . وقد ورد عن أحد المتصوفة أنه لم
يبتسم أو يضحك أبداً في حياته ، وعند موته جاؤوا إليه يغسلونه فوجدوه
مبتسماً مشرق الوجه ، وفي ذلك عظة أنه فرح بلقاء ربه ولو أنه لم يبتسم طوال
حياته من شدة ورعه .

ويحدث في أفراح
الأعراس في بعض البيئات ، أن يتحول " العرس إلى مأتم " بسبب إطلاق الرصاص
في الهواء احتفالاً وفرحاً .. حيث تصيب رصاصة العريس أو العروس أو أحد
الأقرباء أو الحضور



، أو أكثر من
واحد . كما يحدث أيضاً في تلك الأعراس أن يقع خلاف وشجار بين العريس
والعروس أو أهلهما .. ويظهر الخلاف إلى العلن ويتحول إلى شجار وعراك ، أو
أن يطلّق العريس عروسه أمام الجميع مما يلغي الحفل والفرح وينقلب الفرح
إلى غم وحزن وأسى .



وكل ما سبق فيه
مبالغة واستثناء ولا يشكل القاعدة العامة المرتبطة بالفرح والسرور والضحك
.. ويمكن لمريض القلب أو من لديه استعداد مرضي في القلب ، أن يصاب بنوبة
قلبية في حالة الضحك الشديد أو بعد سماع نبأ مفرح جداً .. ويفسر ذلك طبياً
على أنه صدمة انفعالية شديدة يمكن أن تكون مؤذية . والضحك عموماً شعور
لذيذ وممتع ومنعش ويبعث على السرور والرضا ، ولا يسبب نوبة قلبية أو
فقداناً للوعي إلا في حالات معدودة استثنائية .

وبالطبع فإن
الاعتدال والتوازن مطلوبان في كل الأمور ومنها الأمور الانفعالية
والمزاجية .. ويتعلم الإنسان أن يتعامل مع انفعالاته المتنوعة وأن يعبر
عنها بشكل أفضل من الأشخاص الأصغر سناً أو الأطفال .. الذين لا يستطيعون
التحكم

بانفعالاتهم أو لا يعبرون عنها بشكل متوازن وناضج وصحيح .


ومما لاشك فيه أن في تاريخنا وتراثنا مآس كثيرة وهزائم وحروب وصراعات مؤسفة .
. وفيه بكاء على الأطلال وعلى الأمجاد الغابرة .. وفي عصرنا الحالي تخلف وفقر ومرض وتبعية واستعمار


وحروب وعدم
استقرار ومشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية متنوعة . وكل ذلك يمكن أن يشكل
استعداداً للاكتئاب واليأس والنظرات السوداوية في داخلنا .. كما يمكن له
أن يؤسس لثقافة سلبية وسلوكيات مضادة للحياة وأفراحها .



والاكتئاب مرض
واضطراب نفسي طبي واسع الانتشار في جميع المجتمعات .. وله أسبابه الوراثية
والكيميائية والتكوينية والتربوية والحياتية . ويقدر انتشار نوبات
الاكتئاب الأساسي ( Major Depression ) بعشرة بالمئة من السكان وفقاً
للإحصائيات الغربية . وهناك أنواع أخرى من الاكتئاب مثل الاكتئاب الخفيف
المزمن أو ما يسمى عسر المزاج ( Dysthymia ) ، والاكتئاب المقنع والذي
يتظاهر بعدد من الشكاوى والأعراض الجسمية تشبه الأمراض العضوية ولا يتبين
أي سبب عضوي لها



، و أيضاً تنتشر في بلادنا اضطرابات تالية للصدمات المتنوعة الشديدة ذات أعراض اكتئابية وقلق ومخاوف .
وبشكل عملي ..
فإن كثيراً ممن يعانون من الاكتئاب لا يعالجون بشكل صحيح ومناسب .. وبعضهم
لا يعرف أنه مصاب بالاكتئاب .. على الرغم من توفر الخدمات النفسية . مما
يطرح أهمية الوعي الصحي النفسي وتعميقه ، وأهمية الاهتمام بالخدمات
النفسية وتطويرها وتحسين أدائها وتأثيرها في المجتمع . وبالتالي ضرورة
علاج حالات الاكتئاب المتنوعة بالشكل الصحيح والمناسب .

ولابد من حل المشكلات أو السير في طرق حلها ومواجهتها


دون الهروب
منها .. ولابد من الواقعية ومن النظرة المتوازنة للحياة بأفراحها وأحزانها
.. ولابد من تعديل الأفكار السلبية والسوداوية المبالغ فيها



.. ولابد من
ثقافة الحياة وثقافة الفرح .. وهناك أفراح كبيرة مرتبطة بتحقيق أحلام
كبيرة ، وهناك أفراح صغيرة مرتبطة بتحقيق أمنيات وأهداف اعتيادية قريبة
المنال ، ولا يمكننا أن نؤجل أفراحنا للمستقبل البعيد حيث يمكن أن تتحقق
أحلامنا الكبيرة .. ولابد لنا من البحث عن الفرح والضحك والحياة باستمرار
.. دون إفراط أو تفريط .


" نشر هذا الموضوع في مجلة شبابلك العدد 23/ آذار 2007 ويعاد نشره هنا